تضخم البروستاتا الحميد مرض شائع ومنتشر عالمياً يصيب الملايين من الرجال الذين تجاوزوا 50 سنة من العمر ويسبب لهم أعراضاً بولية مزعجة تنغص حياتهم كالإلحاح والتكرار البولي نهاراً وليلاً وصعوبة تفريغ المثانة وتقاطر البول والسلس والتردد البولي وأحياناً احتباسه أو حصول التهابات بولية متعاودة وبيلة دموية وحصيات في المثانة ونادراً الفشل الكلوي. كان العلاج المألوف في الماضي استئصال البروستاتا أما بواسطة تنظير القطع أو بالجراحة المفتوحة مع مضاعفات جانبية قد تكون خطيرة من جراء العملية الجراحية أو التخدير. ولكن في السنوات الماضية تركز العلاج إذا ما طلبه المريض وتقبله حسب شدة أعراضه البولية على العقاقير التي تؤخذ من الفم مع نجاح مرتفع بنسبة 35٪ إلي 60٪ من تلك الحالات على المدى الطويل بالنسبة إلى تحسين الأعراض السريرية وبنسبة حوالي 55٪ تقريباً في منع حدوث احتباس بولي أو مضاعفات أخرى تستدعي الجراحة الفورية. ومن أبرز تلك العقاقير «الفيناستيرايد» و«دوتسيتيدايد» الذين يثبطان مفعول أنزيم ريدكتاز فئة 5 الذي يحول الهرمون الذكري التسيتوستيرون إلى هرمون أكثر فعالية داخل البروستاتا وهو هيدروتيستوستيرون الذي يحث غددها إلى التأثر مسبباً تضخماً وإمكانية ضغطها على الاحليل الذي يمر عبرها مما يؤدي إلى عصره وبروز الأعراض البولية التي ذكرناها سابقاً. فتلك العقاقير تسبب خموراً جزئياً للبروستاتا بنسبة حوالي 25٪ مما يخفض حجمها ويقلص ضغطها الركودي على الاحليل بعد حوالي 3 أشهر إلى سنة من بداية استعمالها. وتنفع تلك العقاقير أيضاً، خصوصاً إذا ما وصفت مع محصرات ألفا واحد للجهاز الودي، التي يبدأ مفعولها خلال أسبوع إلى أسبوعين، إلى تحسين الأعراض البولية وتفادي تقدم المرض مع حصول الاحتباس البولي أو الحاجة إلى الجراحة. وأما الفئة الثانية من العقاقير التي سنرتكز عليها في مقالتنا هذه فهي محصرات المستقبلات الادرينالية ألفا واحد التي تؤثر على الضغط الدينمي في البروستاتا الناتج عن تقلصات عضلاتها الملساء الذي يسبب عصراً للاحليل عند مروره عبرها، مما يساهم في حصول الأعراض البولية المنغصة التي تميز تضخم البروستاتا الحميد. وهنالك عدة محصرات تستعمل لتحسين أعراض هذا المرض ولكل منها مميزاتها وحسناتها وسيئاتها ومضاعفاتها. وبالرغم ان الألوف من اخصائيين جراحة المسالك البولية والتناسلية يستعملونها يومياً على الملايين من المرضى فلا بد من الإشارة أن معظمهم يجهلون تماماً مواصفاتها وخصوصياتها ودرجة انتقائيتها للمستقبلات الادرينالية مما قد يؤدي إلى فشل المعالجة أو حدوث مضاعفات جانبية وخيمة، خصوصاً أن جميع الشركات المصنفة لها وعملائهم المحليين يبرزون في دعايتهم مميزات خاصة لكل منها قد لا تنطبق أحياناً على الحقيقة، فلنقم الآن بمناقشة مزايا تلك العقاقير خدمة للأطباء المعالجين وللمرضى أنفسهم لكي يحصلوا على أبرز وأحدث المستجدات حولها بكل موضوعية وصدق كما عودنا قراءنا الأعزاء. إن المستقبلات الادرينالية الموجودة على غشاء الخلايا تتوسط في الإجابة الفيزيولوجية لمواد ابينفرين ونور ابينفرين المفروزة داخل الجسم من الجهاز العصبي الودي والتي تلعب دوراً هاماً في تنظيم ضغط وجريان الدم وتعديل النشاط العصيوني والتأثير على عملية الهضم والتبول والتنفس والتوالد والأحداث الصماوية والاستقلابية والسلوك وقطر بؤبؤ العين. ومنذ أوائل التسعينات حصل تقدم ملحوظ بالنسبة إلى تفهمنا لتأثير تلك المستقبلات على البروستاتا أو تضخمها مما أدى إلى استعمالها في معالجة الأعراض البولية المنغصة لجودة حياة الرجل المصاب بها. ولأهمية تلك العقاقير كرست لها حديثاً مقالة شاملة تعتبر كمراجعة عامة لمختلف ميزاتها في مجلة المايوكلينيك قام بها الدكتور رشوين ومعاونوه من جامعتين «ريوك» و«فلوريدا» الأمريكيتين التي سنستعين بها إضافة إلى مراجعة أبرز المقالات المنشورة حولها وخبرتنا الشخصية في استعمال تلك العقاقير على الألوف من المرضى عبر السنين. إن تلك المستقبلات الادرينالية تخص عائلة غطيفن نوديد البرويفن ج وتملك مزايا خاصة إذ إنها ترتبط في غشاوة الخلايا إلى المواد الودية ابينفرين ونور ابينفرين المفروزة من الجهاز العصبي الودي فتنتج ساعياً ثانوياً داخل تلك الخلايا وتؤثر على معدل الكلسيوم فيها مما يتحكم بوظيفتها. وتقسم تلك المستقبلات إلى فئتين ألفا وبيثا مع مواصفات خاصة اكل منهما بالنسبة الى وظيفتهما فضلاً ان لكل من تلك الفئتين اقساماً اخرى كألفا واحد وألف (A ) والفا « ب» (B) والفا «د» (D ) التي تهمنا في هذه المقالة واما ألفا C فلا تأثير لها على الجهاز البولي. وتعمل تلك المستقبلات (الفا واحد) عبر اعضاء عائله بروتين ج (a ) التي تحث مادة فوسفات الإينوز يئول للقيام بنشاطها داخل الخلايا. ولمستقبلات الفا واحد أهمية قصوى في معالجة أعراض تضخم البروستاتا الحميد البولية اذانها تلعب دوراً هاماً في استقبال المواد الادرينالية التي تحث خلايا العضلات الملساء داخل البروستاتا إلى التقلص مما يسبب كما ذكرناه ألفا ضغطاً متزايداً على الاحليل من الناحية الدينامية فيؤدي عصره إلى بروز الاعراض البولية المزعجة. فأي عقار يستطيع كبح أو حصر تلك المستقبلات يمكنه وضع حد لتلك التقلصات مع ارتخاء العضلات البروستاتية الملساء وتخفيض الضغط على الاحليل مما يسبب تحسين الاعراض السريرية ويزيد من سرعة جريان البول ويمنع أو يصحح الاحتباس البولي إذا ماحدث. والجدير بالذكر ان مستقبلات ألفا واحد الادرينالية لاتوجد في البروستاتا فحسب بل أنها موزعة في اعضاء اخرى حسب هيئتها. فألفا واحد «ألف» (A ) مثلاً موجود في الكبد وفي كمية أدنى في القلب والمخيخ وقشرة المخ بينما ألفا واحد «ب» (B ) يتواجد في الطحال والكلية والمخيخ وفم الجنين وألفا واحد «د» (D ) يتركز عموماً في قشرة المخ الابهر. وقد اظهرت عدة اختبارات ان الفا واحد «د» موجود ايضاً في النخاع الشوكي في معدل يفوق تركيز الفا واحد «ألف» و«ب» فيها. وأما بالنسبة إلى البروستاتا وهو ما يهمنا خاصة في هذا المجال فإن معدل ألفا واحد «ألف» (A ) يحصل بنسبة حوالي 70٪ تقريباً مما يفوق بكثير نسبة المستقبلات الاخرى «ب» (B ) و«د» (D) إلا عند حصول انسداد بروستاتي حيث يزيد معدل ألفا فئة «د» لاسيما ان ذلك يمثل عاملاً هاماً في معالجة تضخم تلك الغدة كما سنشرحه لاحقاً. وأما بالنسبة إلى عضلات المثانة التي تساهم في حدوث الاعراض البولية خصوصاً الإلحاحية التي ترافق التضخم البروستاتي الحميد فمعظم المستقبلات الادرينالية هي من فئة ألفا واحد «د» (D ) التي تتحكم بتقلصاتها الغير الارادية ونقص سعتها. وعلاوة على تواجد المستقبلات الادرينالية من فئة ألفا واحد في البروستاتا أو المثانة فإن وجود فئة ألف واحد «د» (D ) في النخاع الشوكي قد يلعب دوراً هاماً في حدوث تقلصات المثانة غير الإرادية ويؤثر على وظيفة الجهاز العصبي اللارادي والاعصاب الحسية فضلاً عن تأثيره على الاحساس بالالتهابات والاوجاع داخل المثانة. ومن أبرز المضاعفات الجانبية في استعمال بعض معصرات تلك المستقبلات حدوث هبوط في الضغط الدموي إذ أنه تبين في عدة دراسات وجود تلك المستقبلات وخصوصاً فئة ألفا واحد ألف (A ) في مختلف الاوعية الدموية عند الشباب بينما مستقبلات ألفا واحد «ب» (B ) تتفوق عددياً داخلها عند المسنين من الرجال. ولكن ما تعني تلك المقدمة بالنسبة إلى اختيار أفضل عقار لمعالجة اعراض التضخم البروستاتي الحميد البولية؟ هنالك 4 انواع من محصرات الفا واحد هي «تيرازويسين» ( أو أيثرين) و« دوكسازوسين» ( اوكردورا) و«الفوزوسين» ( اوكزاترال) و«ثمسولوسين» (او أوفيك) ولكل منها ميزاتها وفعاليتها ومضاعفاتها الجانبية. فإن العقاقير الثلاثة الاولية اي التيرازوسين ودوكسازوسين وألفوزوسين تحصر جميع فئات المستقبلات الادرينالية «الف» و«ب» و«د» فتعتبر غير انتقائية اجمالاً بينما عقار التمسولوسين فهو يحصر فئتين الفا واحد فئة «ألف» و «د» بنسبة 10 اضعاف من حصره لفئة «ب» مما يضفي عليه صفة انتقائية مميزة بالنسبة لتلك المستقبلات. وحيثما ان حصر المستقبلات الثلاثة «الف» و«ب» و«د» مهم جداً في معالجة الاعراض البولية الناتجة عن التضخم البروستاتي فهذا يدل على تساوي جميع تلك العقاقير بالنسبة إلى فعاليتها في تلك المعالجة مع الحصول على نتائج متعادلة بينهما من حيث زيادة سرعة جريان البول بنسبة 1,8 إلى 2,5 ميلي ليثير في الثانية وتحسين الاعراض البولية بمعدل 35٪ إلى 60٪ تقريباً. ولكن ما يفرق بينهما هو حصول مضاعفات جانبية تترافق بدرجة متفاوته مع كل منها لاسيما ان استعمال «التيرازوسين» (ايثبرين) مثلاً قد يسبب الوهن والدوام والنعاس وهبوط الضغط الدموي والاحتقان والالتهاب الانفي والعجز الجنسي بينما الدوكسازوسين (كردورا) فقد يتوافق مع الدوام والتعب الجسدي والوزمة وضيق النفس وهبوط الضغط الدموي بينما عقار ألفوزوبين (كزاترال) فقد يسبب الدوار والصداع والغثيان وجفاف الفم والإسهال وهبوط الضغط الدموي. وأما بالنسبة إلى عقار التمولوسين (أومنيك) الأكثر انتقائية لمستقبلات ألفا واحد «ألفا» و«د» فمن مضاعفاته الجانبية تخاذل القذف أو تراجعه إلى المثانة وبنسبة قليلة الدوام والالتهابات والصداع وأعراض مماثلة للنزلة الوافدة ولكن بدون أي تأثير على الضغط الدموي خصوصاً عند المسنين من الرجال بسبب عدم حصره لمستقبلات ألفا واحد فئة «ب» الموجودة في الأوعية الدموية مما يشدد على سلامة استعماله في حالات ارتفاع الضغط الدموي التي تعالج بمختلف مضادات فرط الضغط. وأما بالنسبة إلى الرجال المصابين بالعجز الجنسي الذين يتناولون المنشطات الجنسية كالفياغرا أو السياليس أو ليفيترا فقد حدد مركز التغذية والأدوية الفيدرالي الأمريكي FDA توصياته باستعمال عقارين «تمسولوسين» وسيالس «سنافي» معاً فقط في تلك الحالات والامتناع عن مزج العقاقير الأخرى خشية حصول هبوط حاد في الضغط الدموي مع عواقب طبية وخيمة وخطيرة. فبالخلاصة أن استعمال محصرات ألفا واحد على انواعها مفيد جداً لتحسين الأعراض البولية المنغصة لجودة حياة الرجل المصاب بتضم البروستاتا الحيمد مع فعالية ونتائج متساوية بينها. وتعمل تلك العقاقير على حصر المستقبلات الادرينالية بالنسبة إلى تجاوبها مع الجهاز العصبي الودي الذي يسبب تقلص عضلات البروستاتا الملساء فيزيد من ضغطها على الاحليل الذي يعبرها فيؤدي العلاج إلى ارتخائها وتحسين الأعراض البولية الانسدادية والالحاجية، خصوصاً إذا ما استعملت تلك العقاقير ومثبطات إنزيم ريدكتاز فئة 5 معاً في حال كان حجم البروستاتا كبيراً، فتمنع أيضاً وبنسبة تزيد على 50٪ حصول احتباس بولي أو الحاجة إلى القيام بجراحة استئصالية على البروستاتا على المدى البعيد أي بعد خمسة سنوات تقريباً. ورغم أن محصرات ألفا واحد متساوية بنجاحها إلا انها تختلف بالنسبة إلى مضاعفاتها الجانبية وخصوصاً هبوط الضغط الدموي عند المسنين المصابين بفرط هذا الضغط والذين يستعملون عدة مضادات لمعالجته حيث إن عقار التمسولوبين هو الأسلم في تلك الحالات ناهيك أنه قد يسبب تخاذل القذف أو تراجعه إلى المثانة بنسبة عالية. ويحظر دمج تلك العقاقير مع المنشطات الجنسية باستثناء التمسولوبين والسياليس «سنافي» لتفادي حصول هبوط حاد في الضغط الدموي مع عواقب قلبية وخيمة.