عبر التاريخ البشري ازدهرت حضارات ومجتمعات إنسانية واندحرت وانهارت أخرى عبر العصور والأسباب كما يرى دايموند هي دروس يمكن أن يستفيد منها الإنسان في أي عصر وهو يتساءل على مدار صفحات كتابه السؤال الأبرز لماذا هجرت الحضارات القديمة مدنها بعد أن بنتها وعمرتها على مدى عقود ؟ ولماذا انهارت تلك الحضارات القديمة ؟ وهذا السؤال ربما يكون مرتبطا أكثر بحضارات الأنديز وحضارة المايا في أمريكا الجنوبية وجزر ايستر في المحيط الهادئ وحضارة زيمبابوي القديمة ،والسؤال الأهم الذي يطرحه لماذا انهارت تلك الحضارات في حين أن حضارات أخرى تمكنت من الصمود والبقاء وهو يرى أن الإجابة مرتبطة بمشاكل البيئة التي نواجهها اليوم وهي مشاكل مثل وضع نهاية وشيكة للغابات المطيرة وفرط الصيد وتعرية وتآكل التربة وزيادة ملوحتها وتغيرات المناخ العالمي والإسراف في استهلاك الموارد المائية العالمية النقية واستنفاد احتياطات الطاقة وتراكم السموم في المياه والطعام والتربة وارتفاع الكثافة السكانية عالميا ويكتب :«إن المشاكل الرئيسية التي تهدد وجودنا خلال العقود القادمة مهما كانت يمكننا أن نتعرف عليها من خلال معرفة ما حدث لأسلافنا في الماضي وكيف أن بعض المجتمعات كانت أقل استقرارا من غيرها في حين تمكنت أخرى من التغلب على مشاكلها البيئية . هناك أدلة حديثة من خلال الآثار تؤكد أن بعض المجتمعات التي انهارت كانت في الواقع قد عرضت نفسها إلى ما هو أشبه بانتحار بيئي نتج عن تأثيرات بشرية غير متعمدة على البيئة شبيهة بتلك التي نواجهها اليوم. وحتى على الرغم من أن تلك المجتمعات والحضارات مثل حضارة جزر ايستر وانسازي كانت تضم كثافة سكانية اقل وكانت تمارس أشكالا أقل تدميرا للبيئة مما نقوم به اليوم ولكن يتضح أن انهيار تلك الحضارات القديمة أوجد مشاكل معقدة طويلة المدى . ويعطينا دايموند نموذجا معاصرا لما يمكن أن يكون عليه شكل انهيار مدينة أو مجتمع من خلال ضربه لمثل ولاية مونتانا الأمريكية التي كانت منذ عدة سنوات مضت واحدة من أكثر الولاياتالأمريكية ثراء حيث اعتمدت ثروتها على استخراج النحاس والزراعة واليوم أصبحت من أكثر الولاياتالأمريكية فقرا بعد أن اختفى نشاط التعدين ودمر البيئة بمعدل 70٪ واليوم يعاني أطفال الولاية من الفقر وسوء التغذية بعد أن انهارت المزارع وهو يروي كيف أن الثروات الضخمة التي جلبها استخراج النحاس والزراعة أصبحت هي العامل المدمر للولاية التي تعرضت لثلاثة أضعاف المعدلات المعتادة من حرائق الغابات وتعرضت تربتها لمعدلات عالية من الملوحة والتعرية وانتشرت أمراض الحيوانات والتربة وحدثت لها تغيرات مناخية وهو يرى أن المشاكل التي أدت إلى انهيار هذه الولاية تواجه الآن دولا مثل أفغانستان وباكستان والصين واستراليا ونيبال وإثيوبيا وهذه الدول لا يوجد لديها ما يدعمها بعكس الولاية الأمريكية التي دعمها الاقتصاد الأمريكي الكبير في حين أن تلك الدول تعاني من مشاكل سياسية وبيئية في نفس الوقت . وهو يرى أن معظم المجتمعات التي تعاني من علاقات عدائية مزمنة بجيرانها هي أيضا عرضة للانهيار في نفس الوقت الذي تعاني من مشاكل بيئية ومشاكل داخلية أخرى مختلفة وهو هنا يعطي من التاريخ القديم مثالا عن الإمبراطورية الرومانيةالغربية حيث يرى أن غزو القبائل البربرية لها والتغلب لم يأت بسبب أنها كانت تحيط بحدودها لعدة قرون فقد تمكنت روما من إبقائهم بعيدا عنها طالما كانت قوية ولكن عندما بدأت روما في الضعف فشلت وسقطت في يد البربر وأيضا كان هذا سبب سقوط حضارة انكور وات في كمبوديا التي كانت تواجه علاقات عدائية مع جيرانها وفي نفس الوقت دمارا بيئيا وتغيرات مناخية . في حين أن المجتمعات التي حافظت على علاقات ودية مع جيرانها من خلال علاقات تجارية ناجحة مثلا تمكنت للبقاء لفترات أطول. وأيضا يربط دايموند ما بين رد فعل المجتمع أمام انهيار ومدى إدراكه لوضع انهياره وكيف أن بعض المجتمعات فشلت في حل المشاكل التي سوف تؤدي إلى فقدانها لحضارتها ويستعرض المؤلف هنا نموذج جزيرة ايستر التي انهارت تماما بسبب الدمار البيئي وجزيرة ايستر هي جزيرة في جنوب المحيط الهادئ تابعة لدولة تشيلي حاليا وهي واحدة من أكثر الجزر عزلة في العالم ولا يوجد بها حاليا سكان من سكانها الأصليين تقريبا وتقع على بعد 2000 ميل غرب شاطئ تشيلي والجزيرة تقريبا مثلثة الشكل وكان يسكنها شعب من شعوب بولينيزيا الذين جاءوا من جزر غربية ( سكان جزر هاواي ونيوزلندا واستراليا وبصفة خاصة جزيرة غينيا الجديدة ) عام 800 قبل الميلاد وكانت الجزيرة واحدة من تلك المستعمرات الخاصة بشعب بولينيزيا الذين جلبوا معهم ثمار الموز والبطاطا الحلوة وقصب السكر وأوراق التوت بالإضافة إلى الخنازير والدجاج .وكانت الجزيرة في وقت ما يسكنها حضارة متقدمة ومعقدة تميزت حتى الآن بمجموعة فريدة ونادرة من التماثيل التي تصل إلى نحو 800 تمثال ضخم وكان أول اتصال للأوروبيين بها قد بدأ عام 1722 عندما قام المستكشف الهولندي جاكوب روجوفين باكتشاف ما بين 2000 إلى 3000 نسمة يقطنونها فقط منذ نحو قرن أو أكثر قليلا، وكان من الواضح أن حضارة جزيرة أيستر قد انحدرت بشكل عنيف قبل مائة عام من وصول الرحالة الهولندي ورجاله وذلك نتيجة لانفجار سكاني هائل حدث لها وإزالة للأشجار واستهلاك كبير للموارد البيئية لأكثر الجزر عزلة في التاريخ البشري .وفي منتصف القرن التاسع عشر عادت الكثافة السكانية للزيادة حيث زاد عدد سكانها لنحو أربعة آلاف نسمة ثم خلال 20 عاما فقط تم اصطياد السكان المحليين على يد الغزاة الأوروبيون الذين رحلوهم كعبيد إلى بيرو وتشيلي وجلب الغربيون أيضا معهم الأمراض التي أبادت تقريبا جميع سكانها حتى لم يبق منهم سوى 111 فردا فقط على الجزيرة مع قدوم عام 1877 ثم ألحقت الجزيرة بتشيلي عام 1888. واليوم تبقى الجزيرة بلا أشجار تقريبا وهي التي كانت في يوم من الأيام غابة من أشجار النخيل التي جذبت لها السكان من الجزر الغربية قبل الميلاد. ويكتب دايموند أن تلك الجزيرة التي ظهرت واندثرت بسبب مشاكلها الداخلية كانت تعاني من بيئة هشة وتربة جافة لا تهطل عليها الأمطار سوى 40 بوصة في العام وقد اشتهرت عندما اكتشف علماء الآثار تماثيل ضخمة من الأحجار هناك وكانت تلك التماثيل تزن نحو 80 طنا وقد نحتت في جبال بركانية ثم جرت إلى المحجر وعلى بعد 13 ميلا على الشاطئ ثم رفعت بعد ذلك عموديا على منصتها وكل هذا أنجزه شعب لا يملك حيوانات جر ودون بكرات للرفع أو آلات لقد نحتت تلك التماثيل وجرت ورفعت باستخدام عضلات الإنسان فقط ومع هذا عندما جاء الأوروبيون إلى الجزيرة عام 1722 رموا التماثيل التي رفعها سكان الجزيرة بأنفسهم ونصبوها بكل هذا الجهد البشري خوفا من أن يلمسها هؤلاء الغزاة وهي التماثيل التي يطلق عليها اسم ماوي ويعتقد أنها كانت ترمز لنظام عقائدي معقد وشديد الخصوصية ما زال غامضا حتى الآن ويعتقد علماء الآثار أن السكان الأصليين قد نحتوها وشيدوها خلال فترة تدفق ثقافي مفاجئ وقصير وأنها شيدت ما بين عام 1100 و1600 ميلادية مع وجود بعض التماثيل التي نحتت وشيدت بعد وصول المستكشف الهولندي إليها ومن خلال علماء الآثار الذين بقوا في الجزيرة يدرسونها لعدة عقود اكتشفوا أن سكان الجزيرة كانوا بولينزين أصليين واليوم الجزيرة عقيمة وبلا نباتات سوى الأعشاب ولا توجد بها شجرة واحدة ولا يوجد ما يدل بأي حال على أن تلك الجزيرة سكنتها في يوم من الأيام حضارة عظيمة تدل عمليات البحث والتنقيب بها على أنها كانت غنية بأشكال النباتات المختلفة وأنها عندما وصل إليها السكان البولينزون كانت مغطاة بالغابات الاستوائية وتضم أكبر أشجار النخيل في التاريخ وبها 6 أنواع نادرة من الطيور البرية وطيور بحرية لم تكن توجد في أي مكان اخر في المحيط الهادئ ولكن عندما سكنها البولينزين بدأوا يجردون الجزيرة من أشجارها بغرض استخدام الخشب في إشعال النيران وحطب الوقود وفي صنع اسطوانات ورافعات لرفع تماثيلهم العملاقة ثم بنوا قوارب صغيرة للإبحار في المحيط واصطياد الدلافين وسمك التونة وأكلوا الطيور البرية والبحرية وأكلوا جميع ثمار النباتات وقد وصل تعداد السكان إلى نحو 10 آلاف نسمة وفي عام 1600 كانت كل تلك الأشجار والطيور قد انقرضت وكان كل ما يمكن أن يدل على وجود حياة في يوم ما في هذه الجزيرة قد اختفى وكانت إزالة الأشجار والقضاء على الطيور وارتفاع تعداد السكان بلا أشجار قد جعل سكان الجزيرة عاجزين عن صناعة القوارب للإبحار في المحيط وعن صناعة التماثيل لذا فقد توقفوا عن نحتها فلم يعد لديهم حطب للوقود سوى بقايا النباتات ودون أشجار لم يعد لديهم ما يغطي الأرض لقد عانوا من تدمير التربة وتأكلها وقلت الحقول الزراعية ولم يعد بإمكانهم صناعة القوارب ولم يعد لديهم ما يأكلونه لأنهم كانوا يأكلون فقط لحم الدلافين والتونة ولم يكن لديهم حيوانات لذا فقو بدأوا يأكلون بعضهم البعض وانهارت تلك الحضارة من وباء أمراض أكلة لحوم البشر وتدل الرماح التي وجدت على الجزيرة والتي ترجع لتلك المرحلة الأخيرة في تلك الحضارة أن تعداد السكان تقلص من نحو 10 آلاف إلى 2000 دون إمكانية لإعادة بناء المجتمع الأصلي مرة أخرى دون أشجار أو طيور أو تربة صالحة للزراعة واليوم يسكنها نحو 3,700 من السكان البيض القادمين من تشيلي في حين لم يبق أحد تقريبا من سكانها الأصليين». ويشير المؤلف إلى أن نموذج جزيرة ايستر يمكن أن يستخدم كناية عن وضع الكرة الأرضية الآن حيث يكتب : «لقد واجهت الجزيرة مراحل انهيارها وهي معزولة في منتصف المحيط الهادئ لم يكن بإمكانها اللجوء إلى أحد للمساعدة ولا مكان ليهرب سكانها إليه وعلى نفس المنوال هذا هو وضعنا الآن فالأرض في منتصف المجرة وإذا واجهنا المزيد من المشاكل البيئية فلن يكون أمامنا مكان لنذهب إليه ولا لنهرب له ولا بشر آخرون يمكنهم المساعدة خارج مجرتنا ». ثم يتحدث المؤلف أيضا عن حضارات أخرى في جزر المحيط الباسيفيكي وما حدث لها حيث يتحدث عن حضارة الانسازي وهي حضارة من الهنود الحمر سميت فيما بعد بيوبلو التي أصبحت الآن جزءا من الولاياتالمتحدة وكانت تقع في جنوب غرب الولاياتالمتحدة فيما يعرف الآن بأريزونا ونيو مكسيكو وكولورادو ويوتا حيث وجد علماء الآثار بقايا في تلك الولايات ما كان يعد أكبر ناطحة سحاب في الولاياتالمتحدة إلى أن تم بناء ناطحات سحاب في مدينة شيكاغ في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر . إنها ناطحات سحاب مدينة شاكو كانوين التي بناها السكان الأصليون من شعب انسازي وكانت مؤلفة من ستة طوابق وتحوي نحو 600 غرفة وكانت عمليات البناء التي قام بها شعب انسازي قد بدأت نحو عام 600 قبل الميلاد مع وصول المحاصيل المكسيكية من الذرة والفاصوليا في تلك المنطقة الجافة نسبيا ومن المذهل اليوم أن تقود سيارتك في تلك المنطقة التي لم يعد يسكنها أي كائن حي لا إنسان ولا نبات ولكنك تدرك عندما ترى أطلال مبانيها أن تلك المنطقة كانت بيئة كثيفة السكان والنباتات . ولكن الانسازي كانوا بارعين في تدبير أمورهم في مثل تلك البيئة مع ندرة سقوط الأمطار وتربة فقيرة ولكنهم تمكنوا من إطعام أنفسهم من المنتجات الزراعية الشحيحة وفي بعض الأحيان طوروا نظم ري بالغة البراعة ولكنهم اضطروا إلى قطع الأشجار للحصول على حطب الوقود وبهذا فقد تسببوا في مشاكل بيئية في كل منطقة كانوا يرحلون إليها وفي النهاية أرهقوا التربة ولكنهم تمكنوا من التعامل مع مشاكلهم لفترة من خلال هجرة مواقعهم بعد عدة عقود والانتقال بحضارتهم إلى موقع آخر حيث استمروا في ممارسة نفس أساليب تدمير البيئة المحيطة بهم وفي النهاية أي عام 1117 تقريبا وصلوا إلى النهاية حيث لم يعد حولهم مكان لم يدمروه وجاء الجفاف الكبير الذي لم يمكنهم مواجهته وخلال قرنين تقريبا تفشت الجرائم في هذا المجتمع الذي كان شديد التنظيم حيث تشير ناطحات السحاب المنحوتة في الجبال والتي بلا جدران إلى انه كان مجتمعا آمنا ولكن انتشرت السرقة مع نقص الطعام ولم تعد الصلاة للآلهة المحليين تجلب الأمطار وتقريبا في النهاية انتشرت عمليات القتل والثورات على السلطة الدينية والسياسية ثم كانت النهاية دون أن يتمكن شعب انسازي من إعادة البناء مرة أخرى. ثم يستعرض دايموند نموذجا آخر لانحدار حضارة الفاكينج ( صنف من الشعوب الاسكندنافية )وزوالها هذه المرة في جرين لاند (الدنمرك)حيث توسع الفاكينج في غزواتهم وفي ترويع أوروبا من خلال هجماتهم الشرسة وقد استقروا في ست جزر في شمال المحيط الأطلنطي منها اوركني وشتلاند وفارو وأيسلندا وقد جاء الاسكندنافيون إلى جرين لاند واستقروا بها عام 984 قبل الميلاد حيث أسسوا اقتصادا رعويا يعتمد بشكل أساسي على الخراف والماعز والماشية لإنتاج منتجات الألبان ثم اصطادوا حيوان الآيل والفقمة . وكانت التجارة هامة بالنسبة لهم حيث اصطادوا في جرين لاند حيوان فيل البحر لتصدير العاج إلى النرويج نحو الشمال الغربي لان عاج فيل البحر كان مطلوبا في أوروبا للنحت وأيضا تبادلوه مع الحضارة الإسلامية وقد تمادوا في اصطيادهم لهذا الحيوان حتى انقرض ومعه انقرضت حضارة الفاكينج في القرن الخامس عشر الميلادي ولم يبق من الجزر التي استعمروها إلا جزيرتان إحدهما اختفت تقريبا نحو عام 1360 وأخرى نحو عام 1440 تقريبا وانتهت تلك السلالة تقريبا وكان اختفاء سكان الفاكينج في جرين لاند نموذجا تاريخيا فريدا في الدلالة على الكيفية التي انهارت بها الحضارات عبر التاريخ حيث قد تضافر في انهيار تلك الحضارة خمسة عوامل أساسية في انهيار الحضارات منها الدمار البيئي بعد إزالة الأشجار في ظل مناخ بارد وموسم زراعة قصير وتدمير الطبقة العليا من التربة وتآكلها وكانت عملية إزالة الأشجار عملية دفع ثمنها غاليا الفاكينج الاسكندنافيون لأنهم اضطروا وقتها لاستيراد فحم الخشب من اجل استخراج الحديد من المناجم ومع عدم توافر الحديد كانوا يجدون صعوبة في تصنيع آلات ومعدات مثل المنجل وكانت تلك المشكلة قد أصبحت مشكلة ضخمة عندما احتل سكان الاسكيمو (الاينكيتوت)الذين لم يكن لهم وجود من قبل جرين لاند لكنهم اصطدموا في النهاية مع الفاكينج ووقتها لم يكونوا يملكون تطورا عسكريا ملائما أمام قوات الاينكيتوت التي كانت تملك الأسلحة الصلبة و الجراثيم والحديد في حين أن الاسكندنافيين الفاكينج لم يكونوا يملكون الأسلحة ولديهم كميات ضئيلة من الحديد ولم يكونوا يعرفون الجراثيم الفتاكة لذا فقد حاربوا الاينكيتوت بالحجارة وأسلحة خشبية. ويكتب دايموند :«أن المشكلة رقم واحد كانت الدمار البيئي والمشكلة الثانية كانت تغيرات المناخ حيث أصبح المناخ في جرين لاند أكثر برودة في أواخر القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر فيما عرف بالعصر الجليدي القصير الذي برد شمال الأطلنطي وكان نقص الحشائش الهامة في عملية الرعي مشكلة خطيرة تواجه هذا المجتمع الرعوي في الأساس.وثالثا أن الفاكينج كانت لديهم مشاكل عسكرية مع جيرانهم الاينكيتوت في القطب الشمالى فعلى سبيل المثال كان الاينكيتوت يهاجمون الاسكندنافيين بشكل دوري ويأسرون منهم العبيد ورابعا انقطعت التجارة مع أوروبا بسبب زيادة تجمد البحر خلال ذلك المناخ البارد في شمال الأطلنطي وبهذا فقد توقفت سفن جرين لاند تدريجيا عن الحركة في الوقت الذي فتحت فيه منطقة البحر المتوسط التجارة مع الأوروبيين للحصول على عاج الفيلة ولم يعودوا مهتمين بعاج فيلة البحر لذا فان قلة من السفن رحلت إلى جرين لاند .و أخيرا فان العوامل الثقافية كانت قد لعبت أيضا دورا بارزا حيث أن الفاكينج كانوا ينحدرون من المجتمع النرويجي الذي كان معروفا بأنه رعوي خاصة تربية العجول والتي كان لها قيمة كبيرة في جرين لاند لذا فان زعماء الفاكينج وأساقفتهم كانوا يستثمرون أموالهم في تربية العجول في حين أنهم بسبب سوء علاقاتهم مع جيرانهم الاينكيتوت لم يتبنوا منهم تكنولوجياتهم المتطورة والمفيدة مثل الرماح التي تصطاد الحيتان ولهذا فإنهم لم يتمكنوا من أكل الحيتان مثل جيرانهم ولم يتعلموا مهارات الصيد في الوقت الذي كان فيه الاينكيتوت يصطادون ويعتمدون على الصيد للتغلب على فصل الزراعة المعدوم تقريبا ولم يكن لديهم مراكب جليدية تجرها الكلاب ولا زوارق تسير في الجليد ولم يتعلموا منهم أيضا كيف يقتلون حيوانات الفقمة ويخزنون لحومها في الشتاء لذا فان الفاكينج ظلوا مجتمعا محافظا مقاوما للتغير ومتزمتا فقد استمروا في بناء الكنائس والكاتدرائيات التي ظلت باقية حتى اليوم واستثمروا فيها جميع ثرواتهم تقريبا بدلا من توفير أساليب للعيش والتغلب على المشاكل البيئية والتجارة في لحوم الفقمة للحصول على الحديد لذا فان العوامل الثقافية أيضا كان لها دور كبير فقد ظل الاسكندنافيون مصرين على عدم التعلم من جيرانهم وعدم التكيف مع ظروفهم الاقتصادية بطريقة تمكنهم من النجاة والنتيجة انه بعد عام 1440 انقرض الفاكينج ونجا الاينكيتوت وأصبحت جرين لاند بصفة خاصة درسا تاريخيا هاما يرينا أن الانهيار بسبب الظروف البيئية أمرا محتوم وانه يعتمد على رد فعل البشر وكيفية التعامل مع الظروف المحيطة . ويكتب دايموند أيضا إن هناك سلسلة من العوامل التي تجعل البشر أكثر أو اقل قدرة على مواجهة المشاكل البيئية التي حولهم منها سوء قراءة الخبرات السابقة وفيما يخص شعب جرين لاند (الدنمرك) الذين جاءوا من النرويج والتي كان بها نسبيا فصل زراعة طويل فإنهم لم يدركوا بناء على خبراتهم السابقة مدى هشاشة التربة التي رحلوا إليها وكيف عليهم أن يتبنوا أساليب جديدة ومختلفة عن خبراتهم السابقة للتعامل مع ظروفهم الراهنة . إن هذا شبيه بما نواجهه اليوم مع اعترافنا بوجود ارتفاع كوني في درجات الحرارة إلا إننا لم نقم إلا في السنوات الأخيرة فقط بالسماح للعلماء بإقناعنا أن هناك موجة طويلة قادمة من ارتفاع درجات الحرارة ولكن مع اقتناع هؤلاء العلماء بأنهم غير قادرين بعد على إقناع السياسيين وأصحاب القرار الذين هم نخبة أنهم في عزلة عن نتائج قراراتهم ولا يهم سوى النتائج قصيرة المدى التي تخدم مصالحهم .