التخاذل العصبي للتبول يعود عادة إلى آفات في الجهاز العصبي تمنع تحكمه بالعملية البولية وترجع أسبابه إلى أمراض أو رضخ في الدماغ أو النخاع الشوكي أو أعصاب الحوض. من أبرزها بتر أو انشقاق النخاع الشوكي الكامل أو الجزئي من أثر حادث وداء السكري والتصلب المتعدد والقيلة السحائية ومرض البركنسونية والفالج وغيرها من الحالات العصبية التي تصيب الملايين من الأشخاص عالمياً وتسبب لهم الأعراض البولية المزعجة والمنغصة لحياتهم والاكتئاب والارتباك والقنوط واليأس. إن تفهم الآلية الفيزيولوجية لعملية التبول التي ناقشناها مطولاً في مقالات سابقة نُشرت في جريدة «الرياض» الغراء، والفيزيولوجية المرضية ووسائل التشخيص الدقيقة لكل من تلك الحالات حين يحدث صعوبة في تفريغ المثانة أو سلس بولي توفر أفضل السبل إلى التوصل إلى علاج ناجح وفعّال. إن وظيفة الجهاز البولي الممثل بالمثانة والاحليل والصمامات الداخلية والخارجية عملية دوروية لتخزين البول وإفراغه عند الطلب آلية معقدة ترتكز على سلامة الجهاز العصبي وعضلات المثانة وصمامات الاحليل وغياب أي انسداد تشريحي أو وظيفي في المجاري البولية. إن تلك العملية تقع تحت سيطرة الدماغ والحسرة والنخاع الشوكي والأعصاب الحوضية، والفرجية والخثلية التي تصدر من النخاع الشوكي وتساعد على مرور التنبيهات العصبية الودية واللاودية إلى المثانة والاحليل والصمام التي تتحكم بعملية حصر البول ومنع تسربه. ففي أثناء ملء المثانة بالبول تنقل بعض الأعصاب المتخصصة التي تدعى ألفا دلتا المعلومات حول درجة امتلائها وتحث عاكساً عصبياً لتقلص عضلات الحوض عبر الأعصاب الفرجية ومنع تسرب البول من المثانة تحت سيطرة مراكز عصبية متخصصة في الدماغ والنخاع الشوكي التي تؤثر على مستقبلات بيثا في عضلات المثانة لارخائها وعلى مستقبلات ألفا في عنق المثانة لإغلاقه فيحصل ملء المثانة بكمية كبيرة من البول تحت ضغط خفيف فيها. وعند الولوج بعملية التبول يقطع التيار العصبي الناتج من جسر النخاع الشوكي في قسمه الجانبي وينشط المركز الثاني المركّز في قسمه الأنسي مع انقطاع تأثير الجهاز الودي على عنق المثانة الذي ينفتح بينما يتم تنشيط المركز اللاودي الموجود في النخاع الشوكي العجزي الذي يرسل التنبهات العصبية عبر الأعصاب الحوضية إلى عضلات المثانة للقيام بالتقلصات لإفراغها. فبتفهم تلك الآلية العصبية المعقدة يمكن استيعاب التغييرات المرضية التي تصيب المثانة والاحليل والصمام الخارجي نتيجة بعض الأمراض العصبية التي تصيب الدماغ أو النخاع الشوكي أو أعصاب المثانة والاحليل كما سنشرحه لاحقاً والتي تتطلب تشخيصاً دقيقاً للتوصل إلى معالجة مفيدة وناجحة. فإذا ما حصلت مثلاً آفات في الدماغ فوق المركز البولي الرئيسي الموجود في الجسر، كالفالج أو الأورام الدماغية، فقد يسبب ذلك فقدان التنبهات العصبية المثبطة لذلك المركز فيؤدي ذلك إلى حصول تقلصات غير إرادية في عضلات المثانة مع حدوث فرط نشاطها وبروز أعراض بولية كالسلس البولي والإلحاح وتكرار التبول نهاراً وليلاً. كما أن تلك الأعراض قد تحصل أيضاً في حال إصابة النخاع الشوكي فوق المركز البولي الثانوي الموجود في المنطقة العجوزية ولكن بدرجات متفاوتة حسب موقع تلك الآفات ومداها مع احتمال حدوث تخاذل في الصمام الخارجي يؤدي إلى فقدان التداؤب بينه وبين عضلات المثانة لا سيما أنه يتقلص بدل الارتخاء التام أثناء التبول ويسبب انسداداً وظيفياً في الاحليل. وفي حال انشقاق أو بتر تام للنخاع الشوكي إثر حادث فوق المركز البولي العجوزي فقد تحصل تقلصات غير إرادية لعضلات المثانة مع إغلاق الصمام الخارجي مما قد يسبب السلس أو الاحتباس البولي وفقدان مطاوعة المثانة. وأما إذا استمرت تلك الحالة بدون معالجة فقد ينتج عن ذلك جزر البول وموه الكلية والفشل الكلوي على المدى الطويل بنسبة حوالي 50٪ بعد حوالي 5 سنوات من حدوث تلك الحالة. وأما إذا ما كانت الآفة في النخاع الشوكي فوق مستوى العقد الودية الموجودة ما بين القطع النخاعية 10 صدرية و2 قطنية فقد يحصل فقدان التداؤب ما بين المثانة والصمام الداخلي في عنقها بسبب إغلاقه أثناء التبول. وفي حال إصابة النخاع الشوكي العجزي حيث يرتكز المركز البولي الثانوي فقد يحصل عن ذلك فرط نشاط المثانة مع حصول تقلصات غير إرادية في عضلاتها أو تخاذل كامل أو شبه كامل لتلك العضلات مع فقدان تقلصاتها الإرادية وإحساسها وغياب المنعكس البولي لتفريغها وحصول احتباس بولي فيها كما يحصل عادة بعد إصابة النخاع الشوكي تحت المركز العجزي.