لم تكن تعرف أن للسينما ذلك السحر الذي يتحدث عنه الجميع عندما وقعت في غرامها . كان الأمر بالنسبة لها مجرد خيال جميل يتجسد بالألوان الطبيعية على الشاشة الكبيرة واقعا تتابع أحداثه على مدى سنوات وسنوات في ساعة أو ساعتين . لا تدري متى وقعت في ذلك الغرام الذي صار يأخذها من أجمل مواعيدها مع الناس والحياة ليرميها في أحضان فيلم سينمائي جميل تنسى مع تتابع مشاهده كل المشاهد التي كان يمكن أن تعيشها في الواقع، ولكنها تتذكر على الأقل تلك المناحة الصغيرة التي أقامتها في البيت عندما كانت طفلة في المرحلة الابتدائية، حتى تجبر أهلها على اصطحابها للسينما التي كانت قد افتتحت أبوابها للتو كأول دار للسينما تفتتح في الحي الذي تسكنه . كانت إعلانات افتتاح تلك السينما والفيلم الأول الذي سيعرض في حفل الافتتاح تملأ الشوارع في الطريق إلى المدرسة، وتلهب خيال التلميذات الصغيرات ذهاباً وإياباً في الباص المزدحم بالأماني والأحلام الواقعية والمستحيلة. تذكر إن الفيلم كان من بطولة سعاد حسني وحسين فهمي، أو السندريلا الجميلة والواد التقيل، وكان جميع من شاهده آنذاك يلهج بعنوانه كتعويذة ومصدر للتباهي، حيث يجب على الجميع إن يخلي باله من سوسو، كما يقترح الفيلم وصناعه . ولأنها كانت اضعف المخلوقات البشرية الساكنة في بيت العائلة، لم تؤد مناحتها الصغيرة تلك إلا إلى الإحباط التام واليأس الشديد من ولوج عالم قال الآخرون الذين يسكنون ذلك البيت انه مخصص للرجال فقط، وفقا للتعاليم العائلية ذات الطابع الذكوري الصارم . ولعلها لا تحتاج الآن إلى طبيب نفساني ليشرح لها سبب هوسها الجنوني بالسينما وعوالمها الساحرة إذا ما تذكرت خيبتها الكبيرة في تحقيق واحدة من أمانيها الصغيرة في طفولتها المبتورة قسرا. كبرت وظلت السينما عشقها الجميل الذي وجد له منافسين كثرا في بوتقة واحدة مليئة بأيقونات مختلفة للشعر والرواية والغناء والموسيقى والتشكيل والمشغولات اليدوية الفنية . لكن الأفلام ظلت عشقا أبديا بالنسبة لها تطور لأن يكون حلما متناميا بالعمل في ذلك الحقل الجميل تأليفا أو إخراجا، وغصة مريرة تطورت لأن تكون رمزا لغصات كثيرة ميزت سيرتها الذاتية دائما . ولأن الاحلام يمكن تأجيلها دائما، فقد فرحت كثيرا عندما شعرت ان غصتها تلك قد تبددت فجأة وهي جالسة في مقعدها أمام الشاشة الكبيرة تتابع ذلك الفيلم الذي اختاره الرجل الجالس بجانبها ليكون فيلمهما المشترك الأول . لم تكن تدري ما الذي كان يحدث بالضبط، ولم تعنها مشاهد الفيلم واحداثه وشخصياته، ولم يكن يهمها ان تعرف نهايته أو اسم كاتب السيناريو او المخرج كما كانت تفعل دائما، ربما لأنها كانت مشغولة عن سحر السينما الأثير بالنسبة اليها بذلك السحر الجديد الذي انبعث من بين اصابعها المرتعشة التي لم تشعر بها إلا وهي تنام في كف الرجل الجالس بجانبها، أو «الواد التقيل» الجالس بجانب السندريللا كي يعيد رسم حكاية فيلم الطفولة الذبيح على منصة العمر المتصرم، بألوان طبيعية زاهية. saadiah111.hotmail.com