أسفرت دراسة ميدانية أجرتها التعاونية للتأمين مؤخراً حول مدى انتشار ظاهرة الغش والاحتيال في التأمين الصحي عن الكثير من التجاوزات التي تقوم بها بعض المستشفيات والمراكز الطبية المشتركة في التأمين الصحي وكذلك المؤمن لهم. قامت الدراسة، التي تعتبر الأولى من نوعها في المملكة، على مسح شامل لعينة مؤلفة من 95 مقدم خدمة صحية منهم 47 مستشفى، وموزعة في مناطق الرياضوجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام والخبر والأحساء والجبيل وأبها وخميس مشيط ونجران. وقد توصلت الدراسة إلى أن 23٪ من مقدمي الخدمة لا يقومون بتحصيل مساهمة المؤمن عليه لقاء العلاج فيما يعرف بمبلغ التحمل. وهو مخالفة صريحة لبند العقد المبرم بين شركة التأمين ومقدم الخدمة الصحية ويشجع ذوي النفوس الضعيفة على تكرار زيارة مقدم الخدمة بغير ضرورة طبية. وتوصلت الدراسة أيضاً إلى أن 40٪ من المستشفيات والمراكز الطبية يقدمون خدمات غير مغطاة تأمينياً تحت مسمى خدمات مغطاة، وأن 50٪ من مقدمي الخدمة لا يقومون بتدقيق بيانات الشخص المؤمن عليه (بطاقة الأحوال- الإقامة) مما يؤدي لتقديم الخدمة لأشخاص غير مستحقين للخدمة الصحية. هذا، ويصف خبراء في التأمين الصحي الاحتيال بأنه الخديعة المتعمدة أو التحريف الذي يقوم به مقدم الخدمة أو المؤمن عليه مما يؤدي للحصول على فائدة غير مستحقة لأي منهما أو كليهما أو طرف ثالث. معتبرين أن الغش في التأمين الصحي ظاهرة غريبة في مجتمعنا و تستلزم وقفة جادة من كل الأطراف المعنية بالأمر لمواجهتها (شركة التأمين - مقدم الخدمة الطبية - المؤمن عليه) إضافة للمؤسسات الحكومية. هذا، ويشهد سوق التأمين الصحي السعودي أشكالاً عدة من الاحتيال منها تقديم فاتورة بمبلغ مالي لخدمة أو خدمات أو إجراءات علاجية لم تقدم أصلاً للمؤمن عليه. ومنها أيضاً التحريف المتعمد لطبيعة الخدمة أو الإجراء أو المادة المقدمة، أو تاريخ تقديم الخدمة أو العلاج، أو الحالة المرضية أو التشخيص، أو أجر الخدمة أو الإجراء أو العلاج، أو هوية المؤمن عليه أو الأداء المتعمد لتقديم خدمة طبية غير ضرورية من أجل الحصول على مكسب مالي. ويعد إعطاء معلومة خطأ أو محرفة أو متعمدة ويكون دور هذه المعلومة حاسما في تحديد الفائدة المستحقة من أكثر أشكال الغش انتشاراً. من جهة أخرى اكتشفت التعاونية للتأمين كبرى الشركات الممارسة للتأمين الصحي في المملكة عدة حالات من الغش منها على سبيل المثال طلب الموافقة على استئصال المرارة لسيدة تستخدم بطاقة زوجة ابنها، وكانت زوجة الإبن منومة بذات الوقت في مستشفى آخر للقيام بعملية الولادة. وهناك حالة أخرى لسيدة طلبت استئصال مرارة وكانت قد خضعت لنفس العملية قبل بضع سنوات. كذلك طلب استئصال اللوزات لشخص واحد أكثر من مرة ثم تبين أن المريض لم يخضع للعملية على الإطلاق. كما تم اكتشاف حالة إجراء عملية ولادة قيصرية لسيدة تمت ولادتها بشكل طبيعي قبيل فترة شهرين من طلب إجراء عملية الولادة القيصرية، وسيدة أخرى راجعت أحد المراكز الطبية لشكواها من عدم القدرة على الإنجاب فيما سيدة اخرى تتعالج بذات البطاقة في مركز أخر لمتابعة الحمل وهي في أوان الولادة. توجد حالة غش أخرى اكتشفتها الشركة تتمثل في قيام موظف بإدخال والده المستشفى ببطاقته لإجراء عمل جراحي وفي اليوم التالي تعرض الموظف و لسوء حظه لحادث سير و تم إدخاله بذات المستشفى، فكشف موظف الاستقبال الحالة مباشرة. وحالة أخرى لمريض مصاب بالداء السكري ويتلقى العلاج بشأنه على أساس شهري فيما يقوم مريض آخر باستخدام نفس بطاقة التأمين الصحي الخاصة بالمريض الأول وليس لديه داء السكري. كذلك طلب مقدم الخدمة الموافقة على علاج الأسنان (خلع و حشو أضراس) لمريض ثم تبين أنه قام بتركيب جسر (غير مغطى تأمينياً) لأسنان تم خلعها سابقاً. وقال مسؤولو التأمين الطبي بالتعاونية للتأمين ان الشركة تتخذ مواقف متشددة تجاه حالات الغش والاحتيال في التأمين الصحي. مشيرين إلى قرارات اتخذتها الشركة مع المؤمن لهم الذين يرتكبون المخالفات أو مقدمي الخدمة الذين يساعدونهم. وقد شملت الإجراءات إلغاء التأمين الطبي للمحتالين ووضع أسمائهم في قائمة الممنوعين من التأمين لدى الشركة، وكذلك استبعاد مقدمي الخدمة المشاركين في عمليات غش من التعامل مع الشركة وإبلاغ الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال ذلك. ويرى خبراء في التأمين الصحي أن عمليات الغش والاحتيال يترتب عليها الكثير من الآثار السلبية أهمها الأضرار الصحية المتوقعة للمرضى. فتلقي المريض العلاج مستخدماً بطاقة مريض آخر قد يؤدي إلى إعطائه أدوية تتناسب مع التاريخ المرضي لصاحب البطاقة وربما يؤدي استخدام تلك الأدوية إلى الإضرار بصحة هذا المريض. لذا من الضروري أن ينتبه الذين يقومون بهذا العمل لضرورة تغليب الأمان الصحي للمريض على أية منافع قد يحصلون عليها بالاحتيال عن طريق تداول بطاقة التأمين الصحي. ويقول هؤلاء الخبراء انه بمقتضى أعمال الغش في التأمين الصحي، يحصل بعض الأشخاص على خدمات لا يستحقونها الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التكاليف على شركات التأمين ومن ثم ارتفاع أسعار التأمين الطبي وزيادة الأعباء على المؤمن لهم الملتزمين بقواعد العملية التأمينية. ولاشك أن المنظومة الاقتصادية للتأمين الصحي ستتأثر بالكامل بهذه الأعمال التي يدفع ثمنها في النهاية جميع أطراف العملية التأمين بل والمجتمع ككل. ويلفت هؤلاء الخبراء الانتباه إلى أن أي عمل فيه غش أو احتيال يتعارض مع الشريعة الإسلامية، لذلك فإن كل من يحاول الحصول على خدمة من التأمين الصحي ولا يستحقها، يرتكب في الأساس جريمة سرقة. ولأن شركات التأمين أصبحت شركات مساهمة يملكها الآلاف من عموم المواطنين المساهمين فإن ارتكاب مثل هذه الأعمال يعني أكل أموال هؤلاء الناس بالباطل وهو ما يتناقض مع أحكام الدين الحنيف. لذلك يقع على وزارة الصحة، بحسب رأي هؤلاء الخبراء، مسؤولية معاقبة المستشفيات والمركز الطبية التي تتواطأ مع بعض المؤمن لهم في أعمال غش واحتيال، منوها بتعميم سمو وزير الداخلية الذي يفرض على جميع المستشفيات والمراكز الطبية ضرورة التأكد من هوية المراجعين لها.