تحدثنا في العدد السابق عن محاضرة في ورشة الأعمال الاولى، ورأس الجلسة سعادة الدكتورة انعام الربوعي استشاري جراحة الأطفال في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة وسعادة الدكتور منصور الوكيل مدير الطب العلاجي بالادارة الطبية بالادارة العامة للخدمات الطبية للقوات المسلحة. كانت المحاضرة الأولى عن سوء معاملة الاطفال الخدج، اما المحاضرة الثانية فقد كانت للدكتورة انعام الربوعي رئيسة قسم جراحة الاطفال ورئيسة لجنة حماية الطفل (1998 - 2004) بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة، وقد كانت المحاضرة عن الاعتداء على الأطفال. وقد عرّفت الدكتورة الربوعي الاعتداء على الأطفال بأنه:(أي فعلٍ ما ضد الطفل ينتج عنه أذى بدون أو يكون حادثاً عرضياً أو غير متعمد ويدخل في هذا التعريف الإهمال بجميع صوره أو رفض العلاج للطفل من والديه أو المسؤولين عنه). في هذا التعريف المختصر والمركز، يجدر بنا أن ننظر إلى الاعتداء على الأطفال من هذا المنطلق. فكثير من الاشخاص يعتقد بأن الاعتداء على الأطفال لا يعرّف إلا عندما يكون ضرباً مبرحاً يؤدي الى جروح أو اصابات أو اعتداء جنسي كامل، لكننا هنا أمام تعريف شامل يضع الإهمال للأطفال وعدم العناية بهم من قبل ذويهم بأنه اعتداء على الطفل. إن كثيرا من العائلات المتواضعة اجتماعياً واقتصادياً يهملون الطفل إهمالاً كبيراً، فيتركونه دون رعاية أو عناية قريبة، ولا يغدقون عليه الحنان والحب اللذين يحتاج إليهما صغيراً، وكثير من هؤلاء الأسر ينجبون أطفالاً بأعداد كبيرة دون ادراك للمهمة الصعبة في تربية هؤلاء الأطفال، حيث يحتاج الطفل ليس للأشياء المادية فقط، وإنما أيضاً يحتاج للرعاية والانتباه، فإهمال الطفل يعتبر اعتداءً عليه وعلى حقوقه الواجبة على والديه أو على من يتكفل برعايته. إن إهمال الأطفال صغاراً قد يقودهم إلى سلوكيات غير سوية، مثل السرقة، الانخراط في علاقات جنسية مع الكبار بحثاً عن الحب والحنان المفقودين في الأسرة التي يعيش فيها الطفل. كذلك فإن الإهمال للأطفال وعدم إشباع حاجتهم العاطفية والنفسية قد يقودهم الى العنف مع الصغار، وهذا ربما يستمر في مراحل لاحقة من حياة الطفل، وهذا الأمر قد يجعله فريسة سهلة للأفكار المنحرفة المضادة للمجتمع والتي تقود الى العنف ضد المجتمع في صور جرائم بشعة يرتكبها هؤلاء المراهقون عندما يصلون إلى سن المراهقة. إن إهمال الأطفال أمر غاية في الخطورة، وفي حالة الفقر والحاجة المادية لتربية هؤلاء الأطفال فإن الأمر يصبح أكثر صعوبة إذا كان عدد الأطفال كثيراً. إن كثرة عدد الأطفال ليس ميزة اجتماعية في هذا العصر - خاصة لغير المقتدرين مادياً ونفسياً - حيث يُصعب على المرء أن يهتم بأطفاله الاهتمام المطلوب ويعطيهم من وقته الكثير الذي يحتاجونه كي يُصبحوا عنصر خير وعضوا فاعلا بشكل إيجابي في المجتمع. لقد كان يراجعني في العيادة رجل فقير الحال في الثالثة والثلاثين من العمر ومصاب بمرض نفسي، ويستخدم أدوية نفسية كثيرة، ومع ذلك فهو متزوج من ثلاث نساء وله من الأطفال خمسة عشر طفلاً، اكبرهم فتاة في الثالثة عشر من عمرها! وعندما سألته لماذا يتزوج بهذا العدد من النساء وينجب هذا العدد من الاطفال وهو يعيش عالة على مساعدة أهل الخير الى جانب مساعدة ضئيلة من اشقائه الذين ليسوا هم بأفضل حال من الناحية المادية.. لكنه الجهل وعدم الوعي، واذا كان هو مريضاً نفسياً، فإني أستغرب من اولياء أمور هؤلاء النساء اللاتي تزوجهن.. كيف يقبل ولي أمر فتاة بتزويج مثل هذا الرجل؟ الأنواع وتذكر الدكتورة انعام الربوعي أنواع الاعتداء على الأطفال حيث تقسّم هذا الاعتداء الى أربعة أنواع: 1- الاعتداء الجسدي 2- الاعتداء الجنسي 3- الاعتداء العاطفي 4- الإهمال والاعتداء الجسدي كما ذكر الدكتور خالد دنش في محاضرته الأولى بحيث يتعرض الطفل الى إيذاء بدني بالضرب أو الحرق أو تعريض جزء من جسد الطفل الى مواد ضارة، مثل بعض المواد الكيميائية التي تحدث ضرراً بالغاً لأجساد الأطفال، خاصة اذا كانوا صغاراً في السن لم يتجاوز عامهم الأول. وأوضحت الدكتورة الربوعي بأن الاعتداء الجسدي قد يظهر في صور مختلفة مثل: 1- الضرب الذي يؤدي الى آثار وإحداث رضوض أو نزيف أو كسور أو ارتجاج في المخ ولم يقصد به التأديب ويؤثر على نمو الطفل جسدياً ونفسياً. 2- الاعتداء الجسدي على الأطفال المعاقين أو الأطفال الأقل من 12 شهراً. 3- استخدام أي أداة للضرب حادة او غير حادة تترك آثارا على الجسم. وقد يستغرب البعض حدوث هذه الأفعال في مجتمع مثل مجتمعنا لكنها للأسف الشديد متواجدة وبدأت الجمعيات الخاصة برعاية حقوق الأطفال بتسجيل الحوادث الخاصة بهذا العنف ضد الاطفال من قبل ذويهم، رغم صعوبة الاجراءات القانونية وعدم وجود آلية واضحة للتعامل مع حالات الاعتداء على الأطفال مما قد يعود بآثار سلبية على الطفل بعد شكواه أو الكشف على من اعتدى عليه، خاصة إذا كان من الوالدين. وتشير الدكتورة الربوعي الى عوامل الخطورة في قضية الاعتداء على الأطفال، حيث تبين بأن هناك عوامل تخص المسيء وأخرى المُساء اليه، وهي: عوامل الخطورة المرتبطة بالمسيء: عادة يكون المسيء شخصا قد أسيئ إليه جسدياً أو عاطفياً أو جنسياً أو يكون عانى من الإهمال وهو طفل. عوامل الخطورة المرتبطة بالمُساء اليه/ اليها: أن يكون الطفل معاقا، أو أن يكون يعاني من مرض مزمن أو أن يكون ضعيف الشخصية أو يعاني من العزلة الاجتماعية وانطوائي الشخصية. عوامل الخطورة المرتبطة بالعائلة: الخلافات الزوجية، الضغوط المالية أو الوظيفية. عوامل الخطورة هذه مجتمعة يجب النظر إليها في حالة الشك في الاعتداء على الأطفال وهناك آثار جسدية وسلوكية ونفسية لانتهاك جسد الطفل: ٭ بعض المؤشرات التي يمكن أن تلفت النظر إلى وجود مشكلة أو أزمة أياً كان نوعها: ٭ (أ) الدلائل الجسدية: 1- التبول اللا إرادي. 2- صعوبة في المشي أو الجلوس. 3- أمراض وأوجاع متكررة في البطن أو الأعضاء التناسلية. 4- إفرازات أو نزيف او التهابات متكررة في مجرى البول. 5- أوجاع بالرأس أو الحوض. (ب) الدلائل السلوكية: 1- الانطواء والانعزال. 2- عدم النوم وكثرة الكوابيس. 3- تدني المستوى الأكاديمي وعدم المشاركة في النشاطات المدرسية والهروب من المدرسة. 4- تورط الطفل في مسالك انحرافية. 5- عدم الثقة في النفس والآخرين والعدوانية. 6- تشويه الاعضاء التناسلية وتعذيب النفس. 7- تقوم الفتاة في سن المراهقة بتصرفات إغرائية للآخرين. هذه الدلائل السلوكية، يجب أيضاً التنبه له عند مراقبة طفل أو مراهق نشك في سلوكه، فهذه الأعراض تساعد على تفهم الاعتداء على الطفل أو المراهق سواء كان بدنيا، جنسيا أو إهمال. إن وجود أعراض في أذهاننا نبحث عنها لدى الطفل، تسهل عملية الوصول إلى الهدف، خاصة من قبل العاملين في دور الأطفال الداخلية، خاصة عندما تكون هذه الدار تضم أطفال من أعمار مختلفة. كذلك الوالدين الذين يفاجأون بأن طفلهم الذي كان طفلا منطلقا، يلعب ويتنقل بحرية، ويثق بجميع من حوله، اصبح طفلاً انطوائياً، منعزلاً، ولديه مشاكل في المدرسة من تدني مستواه الدراسي الى الهروب من المدرسة، والعزوف عن المشاركة في النشاطات غير الصفية. كذلك قد يتورط الطفل في مسالك انحرافية مثل علاقات جنسية او استخدام المخدرات أو التدخين. في هذا الوقت بالذات تقل ثقة الطفل في الآخرين، إذا لم تنعدم تماماً، ويشعر بعدم الأمان، ويصبح عدوانياً بشكل لم يعرف عنه في السابق. كذلك قد نجد عند الكشف الطبي تشويه للأعضاء التناسلية عند الذكور أو الإناث، وكذلك يقوم الطفل بتعذيب نفسه مثل حرق نفسه أو تجريح نفسه بآلات حادة. ثمة نقطة مهمة وهي أن الفتاة التي تعرضت الى اعتداء أثناء الطفولة، قد تلجأ في سن المراهقة إلى التصرف بسلوكيات لاغواء الكبار وذلك كشعور من اللاوعي للانتقام من الاشخاص الذين اعتدوا عليها في شخصيات الرجال..! وربما جعلها هذا تحصد حصاداً مراً..! (ج) الدلائل السلوكية: ينجذب الطفل شيئا فشيئا الى الشذوذ الجنسي كما اثبت العالم الأمريكي «جريجوري ديكسون» عام 9961 الذي أظهر ان 49٪ من الشواذ جنسيا الذين تناولهم البحث قد حدث لهم نوع من أنواع الاعتداء الجنسي اثناء مرحلة الطفولة، 95٪ من فتيات الليل قد تعرضن للاعتداء الجنسي في الطفولة. التشخيص الطبي 1- التاريخ الطبي: يجب أخذ تاريخ الطفل الطبي بشكل مفصّل، عندما يكون هناك شكوك حول تعرضه للاعتداء. 2- الفحص الطبي: يجب إجراء فحص كامل للطفل أو الطفلة إذا كانت هناك شكوك في اعتداء عليه، خاصة اذا كان هناك شكوك حول اعتداء جنسي، فيجب الكشف على الأعضاء التناسلية، والتأكد من عدم حدوث أي تشويه أو أثر لأعتداء جنسي، كذلك الكشف عن الإيذاء البدني عن طريق الكشف الشامل على الطفل. 3- التحاليل المخبرية: لاثبات وتأكيد أي حدوث لاعتداء على الطفل سواء كان بدنيا أو جنسيا. 4- الأشعة: للتأكد من وجود كسور أو رضوض في الطفل، خاصة إذا كان الطفل صغيراً، وهناك شكوك حول الاعتداء عليه جسدياً. احصائيات عن بعض الاعتداءات على الأطفال في المملكة: مستشفى القوات المسلحة بجدة 50 حالة مستشفى الولادة والأطفال بجدة 42 حالة مستشفى النور التخصصي بمكة 20 حالة مستشفى الملك فهد العام بجدة 7 حالات مستشفى الملك عبدالعزيز للأورام 27 حالة مكتب الاشراف الاجتماعي النسائي 50 حالة المجموع العام 196 حالة المملكة والاعتداء على الأطفال: 1- لا توجد هناك طريقة لاحصاء عدد الاطفال المعتدى عليهم في المملكة العربية السعودية. 2- عدد الحالات التي سجلت في المجلات الطبية 39 حالة تشتمل على جميع أنواع الاعتداء على الاطفال. 3- بينت الدراسة التي أجراها مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية تفشي ظاهرة إيذاء الأطفال في المجتمع السعودي بشكل عام، حيث اتضح ان 45٪ من الاطفال يتعرضون لصورة من صور الإيذاء في حياتهم اليومية. (جريدة «الرياض» العدد 13012 بتاريخ 17/12/1424)