الحمد لله الذي انعم وأعطى واختار للوطن من هم له أوفى والصلاة على النبي محمد الهادي إلى خير الهدى (يا أيتها النفس المطمئنة.. ارجعي إلى ربك راضيةً مرضيةً) الفجر 28،27، فإلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - أيده الله- نرفع عزاءنا في وفاة فقيد الأمتين العربية والإسلامية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ونعزي أنفسنا وشعبنا السعودي في مليكنا الغالي، الذي إن غاب عنا فستظل سيرته ومآثره ملء قلوبنا، وهنا لا ننسى خطابه التاريخي الذي ألقاه حين اعتلى سدة الحكم، يطلب فيه من مواطنيه عدم تقبيل يده، لكون هذه العادة أمراً دخيلاً على تقاليد البلاد،. قال حينها في خطابه: إن تقبيل اليدين هو أمر دخيل على القيم الإسلامية ولا تقبله النفس الحرة الشريفة، إلى جانب أنه يؤدي إلى الانحناء وهو أمر مخالف لشرع الله، فالمؤمن لا ينحني إلا الله الوحيد الأوحد لذلك أعلن من مكاني هذا عن رفضي القاطع لهذا الأمر واسأل الجميع ان يعملوا ذلك ويمتنعوا عن تقبيل اليد إلا للوالدين براً بهم» وكان هذا من أوائل القرارات التي اتخذها مليكنا الراحل قراراً عزز فيه كرامة المواطن. لقدعشنا في عهده الميمون واقعا جديدا خطط له (طيب الله ثراه)، واقعا حفل بالمشروعات الإصلاحية البناءة، بدءا بالتركيز على إصلاح التعليم والقضاء، مرورا بالإصلاح الاقتصادي، وصولا إلى بناء مجتمع متماسك عماده الوحدة الوطنية، من ترسيخ للمكانة الرائدة للمملكة بين الأمم، والحفاظ على سمعتها ودورها وشموخها في وقت تهاوت أمم أخرى اقتصاديا واجتماعيا، فظلت المملكة بفضل الله ثم بفضل سياسته الحكيمة، قوية عزيزة ذات مكانة راسخة في وجدان العالم أجمع، وخطت في عهده خطوات نوعية عملاقة شهد بها القريب والبعيد، انعكست بنتائج بارزة على كافة الأصعدة، وأمنا وأمانا ورخاء على المواطنين، من الكم الكبير من المشروعات العملاقة التي تم إطلاقها في مختلف المجالات وإنجازات اقتصادية واجتماعية وتعليمية غير مسبوقة، امتدت إلى تحسين أداء الاقتصاد الكلي للدولة، وحتى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، لقد تميزت مجمل الإنجازات بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته مما وضع المملكة في رقم جديد في خارطة دول العالم المتقدمة فقد تجاوزت في مجال التنمية السقف المعتمدة لإنجاز العديد من الأهداف التنموية التي حددها إعلان الألفية للأمم المتحدة عام 2000، كما تمكن الملك الراحل (طيب الله ثراه) من تعزيز دور المملكة إقليميا وعالميا في المجالات السياسية والاقتصادية حتى أصبح للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية، وشكلت دافعا قويا للصوت الإسلامي والعربي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته ومؤسساته والاستراتيجيات وكان آخر قرار اتخذه العاهل السعودي قبل وفاته بيوم قرارا إنسانيا كما تعودنا منه (جعله الله في ميزان حسناته) بموافقته على تقديم مساعدة مقطوعة للجمعية الخيرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج "أواصر" قدرها 10 ملايين ريال ورفع الإعانة السنوية للجمعية إلى مبلغ 7 ملايين ريال للتتمكن الجمعية من أداء مهامها في رعاية أبناء الأسر السعودية المنقطعة في الخارج والعائدين إلى الوطن. ومن نافلة القول إننا لن نستطيع في هذا المقام أن نحصر إنجازات ملكنا الراحل، ولكننا ندعو الله أن يجزيه الجزاء الأوفى عنا وعن الإسلام والمسلمين، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، إن المصاب جلل والثلمة عظيمة، لكن عزاءنا،أن ولي علينا خير خلف لخير سلف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (أيده الله) الذي نسأل الله أن يؤجره على الرزية ويبارك له في العطية ويعينه على الرعية، وإني لأتمثل هنا قول الشاعر معزيا يزيد بن معاوية حين آلت إليه الخلافة، في وفاة والده أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: لارزء أصبح في الأقوام نعلمه كما رزئت ولا عقبى كعقباكا أصبحت والي أمر الناس كلهم فأنت ترعاهم والله يرعاكا نشهد الله أننا قد بايعنا خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز ملكا للمملكة العربية السعودية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا للعهد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وليا لولي العهد بيعة شرعية مقتضاها السمع والطاعة، امتثالا لأمر الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً " النساء 59.. وسنظل يدا واحدة وصفا واحدا لما فيه صلاح أمورنا والحفاظ على أمن وطننا واستقراره، وحري بنا في هذا المقام أن نشيد بنظام البيعة الذي ظل في العهد السعودي بمختلف مراحله وعصوره، شاهداً من تاريخ الجزيرة العربية في عصرها الحديث، كما ظلت مراسيم البيعة والانتقال السلس للسلطة ومبايعة ولي العهد، إحدى شواهد هذا العهد، فتاريخياً لم تشهد المملكة –بفضل الله- أي خلافات أو فوضى وإراقة دماء حال انتقال السلطة، بل يتم ذلك بكل انسيابية وسلاسة، وما هذا إلا بفضل من الله أولاً، ثم اللحمة الوطنية بين القيادة والشعب، وانعكاساً للحالة الأمنية التي تعيشها وعاشتها كافة مناطق ومدن وقرى بلادنا طيلة هذه العهود المنصرمة. اللهم أيد ولاة أمورنا بالحق وأيد الحق بهم، اللهم احفظهم من كل سوء ومكروه، اللهم هيئ لهم بطانة صالحة ناصحة راشدة من أهل الخير والصلاح، تدلهم على الخير وتعينهم عليه، وجنبهم بطانة السوء، واكشف لهم عوارهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ على بلادنا أمنها ورخاءها واستقرارها ونعمها وخيرها، اللهم أعن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على حمل الأمانة كما حملها أسلافه الكرام متمسكين بالنهج القويم، وهذا ما أكده (حفظه الله) في كلمته التي نعى فيها مليكنا الراحل (رحمه الله) قائلا: وسنظل بحول الله وقوته متمسكين بالنهج القويم الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله وعلى أيدي أبنائه من بعده رحمهم الله ولن نحيد عنه أبدا، فدستورنا هو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.