دعني أخبرك بهذه الحقيقة المرة: مهما حاولت وتعلمت وجربت لن تنجح في رفع ذكائك أكثر من خمس أو ربع ما قدر لك بعد الولادة وأعظم دليل على هذا أن ما من عبقري (في الماضي أو الحاضر) استطاع الارتفاع لأكثر من 25٪ من ذكائه المعياري في سن الطفولة!! ويمكن تشبيه هذه الظاهرة بمعدل أطوال الناس في أي مجتمع، فرغم تفاوت الاطوال إلا أنه يظل في هامش ال 20 سنتم (بحيث نادراً ما ترى شخصاً تجاوز المترين). ونفس الشيء ينطبق على متوسط الذكاء البشري، فرغم وجود أغبياء وأذكياء إلا أننا جميعنا نملك مساحة (أو هامش) ذكاء محدوداً نلعب فيه ويصعب علينا تجاوزه أو الارتفاع فوقه. ورغم عدم حبي للفلسفة و « التفلسف» إلا أنني أعتقد أن هامش الذكاء هذا - وتوازنه كل حين- يلعب دوراً مهما في عدم طغيان الامم على بعضها البعض... فلو افترضنا أن أمة من الامم اكتشفت طريقة سرية لرفع ذكاء افرادها بنسبة 100٪ أو 500٪ فكيف يا ترى سينظرون لبقية البشر!؟.. وماذا سيحدث لونجح هذا المجتمع في زيادة ذكاء أجياله القادمة بطريقة طردية ومتوالية (حتى يصلوا لمرحلة يرون فيها بقية البشر كحيوانات الشمبانزي)!!؟؟ '' وقبل التوسع أكثر أشير أولاً الى ان درجة ذكائنا تحددها ثلاثة عوامل رئيسية: العامل الاول الوراثة (وهو ما ليس لنا فيه خيار)، والثاني ظروف الحمل (وغالباً ما يسبق السيف العذل)، والثالث ظروف البيئة والتعليم (وهو ما نستطيع التحكم به نسبياً)... وكانت مجلة نيتشر قد نشرت في يوليو الماضي نتائج دراسة تتعلق بهذه العوامل قام بها علماء من جامعتي كارنيجي وبيتسبرج. ومن خلال هذه الدراسة تبين أن رحم الام مسؤول عن 34٪ من ذكاء الطفل، والوراثة عن 50٪، فيما يتبقى 26٪ للبيئة التي ينشأ فيها... والنسبة الاخيرة يمكن التحكم بها وتمثل هامش مناورة يمكن رفعه اوخفضه بحسب طبيعة التعليم وسن التلقين وظروف المجتمع المحفزة!! وبخصوص «الظروف الرحمية» من المعروف أن معظم مادة الدماغ تتكون خلال الحمل وأن هناك عوامل سلبية عديدة قد تتعرض لها الحامل تضر بمخ الجنين (كالتدخين والكحوليات والامراض والتغذية السيئة وبعض الادوية). وهذا يعني أن ظروفاً مثالية وتغذية جيدة ورعاية صحية متقدمة (وتناول حامض الفوليك في الأسابيع الاولى) كفيل بسلامة الدماغ وولادة طفل ذكي ضمن هذا الهامش!! '' أما عن علاقة الذكاء بالبيئة والظروف المحفزة (وهو مايمكن التحكم به والمناورة خلاله) فقد أثبتت الدراسات أن العامل الحاسم في هذا الجانب هو كثافة وتعقيد التشابكات العصبية بين خلايا المخ، فكلما زاد عدد التفرعات التي تصل بين احدى الخلايا وجاراتها، زادت انسيابية وكمية التيارات العصبية المارة في كامل المخ فيتبلور عن ذلك ذكاء وعبقرية!! وحين سعى العلماء لفهم العوامل التي ترفع (او تخفض) من نسبة تلك التشابكات اكتشفوا أهمية التعليم والتحفيز الذهني في سن ما قبل المدرسة، فكلما زادت جرعات التعليم والمحفزات الذهنية في الصغر امتدت تفرعات شجرية جديدة بين خلايا المخ تتبلور ك (ذكاء) يبقى لآخر العمر.. وهذه الحقيقة يثبتها ارتفاع ذكاء الاطفال (ممن حضروا صفوفاً دراسية قبل سن المدرسة) مقارنة بزملائهم خلال السنوات التالية! وعليه يمكن القول إن هامش الذكاء البشري محصلة لثلاثة عوامل رئيسية نادراً ما تتساوى أو تتشابه مع غيرها. وفي حين يتقرر « الجانب الوراثي» فور زواج الوالدين، وتعتمد «فترة الحمل» على ذكاء الام ووعي المجتمع، لا يبقى أمامنا غير هامش بسيط لرفع نسبة ذكائنا بأنفسنا!! (... المشكلة أن البعض أغبى حتى من استغلال هذا الهامش)!!