دون النظر إلى ما سبق وأن توقعه سيتي جروب في تقريرهم من أن المملكة ربما تصبح في العام 2020 ضمن أعضاء نادي المستوردين للنفط وما تبعه من تعليقات وتعقيبات.. ومن غير الالتفات أو الغوص في تفسير مسببات الانهيار الحاد في أسعار النفط والتي وصلت إلى أكثر من النصف وما يتوقعه البعض من أنها ربما تنخفض أيضا إلى مستويات غير متوقعة .. ودون الولوج في أثر ذلك القريب على ميزانيات الدولة التي تعتمد النفط الخام كمصدر رئيسي في بنائها.. ودون العمق فيما يمكن أن يحدثه ذلك من آثار على جهود التنمية الوطنية التي تقودها حكومة خادم الحرمين الشريفين باقتدار والتي حققت الكثير من النمو المجتمعي والتطور الوطني.. أقول دون النظر بعمق إلى كل تلك المحاور المخيفة والقلقة في الوقت نفسه إلا أنه يلوح في الأفق تساؤل عريض يمتد بمساحة تلك المنعطفات الاقتصادية ويماثل حجم الأثر السلبي الذي قد نواجهه يتمثل في عدم توجه الوطن حتى الآن إلى التوسع في استثمار هذا المورد الطبيعي الذي أنعم الله به علينا (البترول) من خلال بناء صناعات تعتمد على مواده الخام والعمل على الاكتفاء الذاتي منها بدلا من استيرادها، وكذلك التوجه نحو تصديرها بحيث تكون أحد مكونات قدرات الوطن الاقتصادية.. وما يثير التعجب فعلا أننا نبيع البترول بأثمان بخسة خلال هذه الأيام بينما نستورد منتجات تعتمد على البترول كمادة خام 100% وكان من الأولى منذ زمن أن نسعى لبناء صناعات تحويلية وأخرى تعتمد على مورد النفط بدلا من استيرادها واستثمارا للقيمة المضافة لدينا من خلال توفر هذا المورد بكميات ضخمة على المستوى العالمي .. ولعل في هذه الانهيارات الكبيرة في أسواق النفط ما يحفز الوطن أكثر للعمل السريع والجاد نحو بناء صناعات متعددة تعتمد على مورد النفط كمادة خام بحيث تخفض حجم الاستيراد، وبحيث تكون موردا ماليا ضخما أيضا من خلال العمل على التصدير وفي ذلك أيضا تحسين لفرص العمل للشباب السعودي.. ولعل في تجربتنا المميزة في الجبيل وينبع أكبر الأمثلة الدالة على قدرة الوطن على فعل شيء يتعامل مع الظروف المستجدة.. أتمنى من المجلس الاقتصادي الأعلى ووزارة البترول والثروة المعدنية ومركز الملك عبدالله للدراسات البترولية وشركتنا النفطية العملاقة (أرامكو) وكذلك الجامعات الوطنية دراسة مثل هذا التوجه خدمة للوطن في قادم أيامه. ولعل الظروف الحالية تكون أيضا فرصة للمراجعة فما دمنا نحن الذين نصدر المواد الخام لدول تعبث أيضا بنا كثيرا من خلال منتجاتها جودة وسعرا فلماذا لا نقوم نحن بالتصنيع وتشجيع المستثمر المحلي أولا للولوج في هذا النوع من الصناعات لأهميتها ولتوفر المواد الخام بكثرة لدينا بحيث يصبح "سمننا في دقيقنا"؟ وفي حال عدم تمكن المستثمر المحلي من دخول هذا النوع من الاستثمارات إما لضخامتها أو لأي مبررات أخرى فلماذا لا تعمل الهيئة العامة للاستثمار على تطوير استراتيجياتها في جذب المستثمر الأجنبي للتركيز على مثل هذه المجالات التي يتواجد لدى الوطن العزيز موادها الخام كما توجد أسواقها الشرائية في المملكة ودول الخليج والدول الأخرى المجاورة بحيث تنتشر الاستثمارات الأجنبية من هذا النوع عوضاً عن "البقالات وأماكن بيع الحمص"!! أظن أنّ على المخططين الاقتصاديين في وطننا العزيز إجراء الكثير من القرارات والاستراتيجيات الوطنية التي تحمي اقتصادنا الوطني وتعزز مكانته وتحقق لنا تواصلا في النماء ونجاحا لخطط التنمية.