يقول الكاتب والروائي الجزائري بشير المفتي: إن القراءات الأولى للإنسان هي الفترة الذهبية التي تشكل وجدان القارئ والانسان، وتسهم في تشكيل رؤيته جاء ذلك خلال حوارنا معه على منضدة قصتي مع كتاب حيث يقول تجدني أعود لتلك الاعمال كل مرة بحنين كبير، موضحا أننا لا نأتي إلى القراءة من تلقاء أنفسنا بل نأتي إليها لأن شيئاً ما في دواخلنا يريد أن يعرف، كما اننا نتطلع نهما إلى المعرفة والفهم والتذوق، ونكتشف من خلالها هذه الحياة الغامضة فإلى الحوار: الروائي الجزائري بشير المفتي: من يقرأ سيتغير بالضرورة لا أقول للأحسن أو الأسوأ لكن سيتغير * ما الكتاب الذي أحدث تأثيراً فيك بعد قراءته؟ - عندما اكتشفت سحر القراءة وأنا شاب مندفع إلى الحياة أستطيع أن أخبرك بأن كل الكتب التي قرأتها كانت مؤثرة في حياتي أو كان لها تأثير في تغيير نظرتي للحياة ذلك أن اكتشاف قوة الكتاب الذي يساعدك على تفهم ذاتك وعالمك ويصاحب أسئلتك الأولى في الحياة تلك الأسئلة الوجودية القلقة لا يمكنه أن يكون إلا مؤثرا على تشكيل ذهنك وخريطة وجدانك، وهذا ما حدث معي بالفعل مع الروايات العربية أو الأجنبية أو تلك الكتب الفلسفية التي كنت أنهل منها برغبة في فهم أفضل للوجود البشري الذي أعيش فيه وأنتمي إليه. نحن لا نأتي إلى القراءة من تلقاء أنفسنا بل نأتي لأن شيئاً ما في دواخلنا، يريد أن يعرف، أي نأتي لنُشبع نهمنا إلى المعرفة والفهم والتذوق ونكتشف عبرها طريقنا في هذه الحياة الغامضة والمعقدة، وكثيرة المآسي وقليلة الأفراح. وإذا كان عليّ أن اختار فسأختار عربياً رواية "السراب" لنجيب محفوظ وهي رواية نفسية جميلة استطعت عبرها أن أنفذ إلى أعماق شخصية إنسان/بطل الرواية وأتتبع حياته الداخلية بدقة وسلاسة أسلوب محفوظ الذي يوقعك في أسره من أول جملة. كما كان لرواية "الخبز الحافي" للمغربي محمد شكري تأثير مختلف أمام نص جريء في قول الحقيقة وتصوير الواقع على بشاعته وقسوته وشعرت أنني أمام كاتب عربي قريب من الحرية التي يتمتع بها الكاتب الغربي في قول الأشياء المحرمة. أما أجنبيا فسأذكر "زوربا اليوناني" لنيكوس كازنتزاكيس وتأثيرها الساحر عليّ وخاصة أنها كانت تجمع بين شخصيتين مختلفتين المندفع للحياة وذلك الكاتب المتأمل في الحياة، وهي رواية لا يمكن قراءتها مرة واحدة بل تصحبك معها لفترة طويلة من الحياة فتعيد قراءتها مرات عدة وتنصح الأقرباء بمطالعتها وأنت تشعر أنك تهديهم هدية لن ينسوا متعتها وسحرها أبداً ثم هنالك رواية "مدار الجديّ" لهنري ميللر التي كان لها حقا ابلغ الأثر على رؤيتي للكتابة والحياة فهي تشحنك بعواطف جديدة وروح جريئة وتجعلك تقبل حتى على الكتابة إن كانت لك رغبة وميل نحوها. يمكن أن أضيف "يوميات كافكا" و"النفق" لأرنستو ساباتو.. يمكن في الحقيقة تقديم قائمة طويلة من الكتب المؤثرة. * ما نوع التأثير وهل أنت مقتنع بالتأثير؟ - بالنسبة لرواية "السراب" كان اكتشاف ما بداخل الإنسان خاصة وكيف أن ما يسكن في هذا الداخل هو الذي يحدد تصرفاتنا وسلوكنا ويؤثر على حياتنا بشكل حسن أو سيء.. أما رواية "زوربا" فهي تدفعك لتفهم أن على الكاتب أن يعيش بلذة الحياة ويقبل عليها ولعل هذا ما كان هدف نيكوس من خلال شخصية "زوربا" الذي يدعوك أن تعيش الحياة ولا تكتفي بالتفرج عليها أما "مدار الجدي" لهنري ميللر فهي تعلمك الجرأة على الحياة كما الجرأة على الكتابة دون أن تهتم بالخطوط الحمراء. * ما مدى استمرار تأثيره؟ - أظن فترة القراءات الأولى هي الفترة الذهبية لتشكل وجدان القارئ والإنسان وتشكيل رؤيته ولهذا فهي شئت أم أبيت ستبصمك ببصمتها الخاصة ولهذا رغم بعد المسافة الزمنية عن تلك القراءات الأولى أجدني أعود إلى تلك الأعمال كل مرة بحنين كبير ولكن طبعا مع تقدم السن والقراءات المتعددة والكثيرة يختلف نوع الأثر الذي تتركه القراءة مرة أخرى فيصبح مثل زيارة شخص لأماكن الطفولة وذلك الاحساس الغريب الذي ينتابك دائما وأنت تتفقد ما تركته خلفك. * هل ترى أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ - أعتقد ذلك، وأعتقد أن القراءة مهمة في تشكيل وعي الإنسان لذاته وللعالم الذي يحيط به ومن يقرأ سيتغير بالضرورة لا أقول للأحسن أو الأسوأ، ولكن سيتغير بشكل كبير بحسب نوعية الكتب التي يطالعها ويتأثر بها لأن هنالك كتباً تغلق عليك الآفاق وربما تستدرجك إلى الظلامية والظلم أكثر مما تفتح بابا على شمس العقل وأنوار الحياة..