المال كسب ينمو مع التوفيق والجهد وأداء حقه من الصدقة والزكاة، وهو ستر في الدنيا من تقلبات الأيام والأحوال، ووقاية في الأخرى من العذاب إذا أنفقه صاحبه فيما يرضي ربه. والبنون أمل لتحقيق المعاني الكريمة وأحسنت تربيتهم وكانوا من الصالحين. وهذا الثنائي المال والبنون زينة يعتز بها الإنسان ويفخر ويفرح ما جادوا وأحسنوا. الشاعر الحيدري لم تتحقق آماله فعبر عن معاناته والزينة تؤخذ عند كل موقف حسن كريم لأنها تكمل زينة القلب والجوارح حين تصفو وتؤدي دورها في الحياة ولا تنسى الآخرة التي جعلت الدنيا مزرعة لما يقرب من الجنة. وكم من أسرة سعدت بصلاح أبنائها، وكم من أخرى منيت بالألم من سلوك أبنائها. اللهم وفقنا لتربية أبنائنا وأصلحهم لأنفسهم ومجتمعهم ولدينهم وأمتهم من قبل ومن بعد. في هذا السياق تحضرني قصيدة لشاعر ينبعي عاش في القرن الهجري الماضي وبالتحديد فيما بين 1295 تقريباً إلى عام 1389ه، كان من أثرياء ينبع النخل بما يملك من مزارع وعقار ولكنه حرم من زينة البنون، وأكثر من المحاولات باستخدام الطب الشعبي ولكن آماله لم تتحقق بل إن العلاج الأخير وهو النعناع يضعه معجونا على ظهره سبب له قروحاً أقعدته حينا ثم شفي منها إلا أنه تعذر أن يرزق بالانجاب، فأنشأ قصيدة يعبر عن معاناته استهلها بقوله: يوم المقدّر والمقاسيم خلّن قلبي تورّى ما حسب للتوالي أراد ربي يوم الايدِيْن حطّن رقيب فرعي ينتظر كيف حالي حطّيت في نفسي دوا حار لاجل ان جروح جَتْني واسهرتني ليالي أفسّر المعنى عن الناس لا تظن أخاف من تقليب هرج السفالي هذه بداية وتبرير للعلاج والمحاولات ثم ينتقل إلى الدعاء: يا رب تشفيني ويا خالقي حن ما لي سواك ارجيه يا رب ما لي طال الأسى فيه والاموال ضاعن والمال عند الروح بالحيل غالي ناشي بليّا مال مرفوت لو إن يقطع مع الحدّين حدّه سلالي لا راح يخطب في الخراعيب عيّن من اجل ما له مال، ومراح خالي ثم يعرج على النساء وتقييمِهن من حيث أهميتهن في الحياة: يا ناس لولا شرح فيهن يكبّن يجاز ولا خمّنت عنهن يسالِ لكنهن يا ما شياهين جابن يأتي الفتى ما بين أبّ وخالِ وبعض النشامى يستحق مال ومْكُن والبعض عفش وما به حساب تالي بهبوه ميّت قلب ويدين يومن وليا ملا بطنه طراه الظلالِ العفش عفش وياقع العفش في مْكُن صيده من الخملا ودود الدحالِ والذيب لو هو جاع ليلين لكن يجيبهن دسمات من فج خالي ثم ينتقل إلى القيم الاجتماعية الفاضلة من مدح الفضائل وأصحابها، كالكرم والنجدة والمطايا والخيل وزينتها وصبرها على طي المسافات للنجدة وإقبالها واستقبال الضيافة الكريمة. ويشير فيما بعد إلى بعض الظواهر الاجتماعية المنبوذة اجتماعياً كالحلف زوراً والظلم وكتم الشهادة ونحوها مما يضيع حقوق الناس: وربي حمدته قال قوله لعن من من هو حلف واللى محلّف وكالي والمستمع فيهن ورجليه وقفن كثر الاثم معبي لهم يوم تالي والله يا من هو شهد زور بالظن لو هو في نعمة بدها للزوالِ واللي معه بعض الشهادات ويكن ما عدّها باللي سمع بالكمالِ هو يتحدث عن معاناة أيام الحاجة حين يتكتل الأقوياء ضد الضعفاء فيضيع مال الضعفاء دولة بين الأقوياء، ويعتقد القرويون أن الظلم يزيل النعم ويعرض المجتمعات الآمنة إلى الهلاك: قوم انتظر قريات بالظلم خربن تهدمت، واليوم أمست هيالِ ذا قول ابو حيدر سمع فيه كلن قاله على اتم العقل والنوال وكم قبلنا قالوا من القيل واحسن من قولنا واخير منا مثالِ وهو وإن لم يبد معاناته من عدم الانجاب إلا أنه تطرق لمرضه الذي كان من آثار العلاج الشعبي للانجاب، وكانت إشارته للابناء في القصيدة نابعة من حرمانه منهم، حسرة وعزاء لنفسه. والشاعر مقل في غير شعر الكسرات التي يعتبرها المجتمع الينبعي غذاء فكريا ورياضة ذهنية ومتعة مجالس. واشتهر من كسراته قوله: لولا الهوى ينتعازى فيه لقلت للناس عزوني ما عاد اقبّل على واديه لا جله مع العال والدون الهوى في رأي الأكثرين قيمة اجتماعية رفيعة. وذلك ليس لأنه هاجس يفرض أساه ومتعة ورغبة الآخر فحسب، بل لأن له قوانين سامية ليس في إمكان كل من أحب أن يؤديها أو يحتملها. وللشاعر في النساء رأي: لا تأمن البيض لو ضحكن عاداتهن خاينات عهود كم أضحكن سن كم أبكن كم قتّلن بالعيون السود وهذا الاتهام متبادل لأن: إنما العاجز من لا يستبد. والغدر لا يأتي الا بسبب غدر أو إخلاف ظن أو عهد. وكم تساءل الناس عن الهوى الذي لم يسلم منه غير بليد لا يعير الجمال اهتماماً، وشاعرنا يتساءل: أبغى اسْألك يا معلّم طب أفيدني بالعجل ذا الوان هو الهوى من أساكل حب والا منزّل على العربان؟ وقد أجابه الشاعر المشهور أبو حمرون: أفيدكم قدر ما ياجب هاتف مسلّط على العربان والكل فيما اعجبه يطرب وعلى كذا تعمر الأكوان وتلقى الشاعر شكوى من صديقه الشاعر المعروف المجيدير: يا محمد الود حاربني اليوم سوّى معي منّدر صدّرت ولياه لاحقني نهار صبحت في البندر فاجابه الشاعر: تشكي علي ضد خانقني هو عاد وانا كما اسكندر قبل امس بالحيل عذبني حمدت مولاي ما قدّر ولمزيد من التعرف على الشاعر يرجع لكتاب: من مرويات ابن قابل للكاتب. رحم الله الشاعر محمد الحيدري وأموات المسلمين.