عشنا آمال تحرير الأرض العربية من إسرائيل مثلما حررناها من الاستعمار، لكننا الآن نسعى لتحرير أراضينا من إرهابيينا، وكما فشلت الجيوش في تحقيق تلك الآمال وتفرغت لتغيير الحكومات بالقوة، فقد حُلّ الكثير منها ليأتي عصر المليشيات بتنوعاتها الدينية وغيرها والنماذج القاتلة بدأت مع الصومال قبل فجر الربيع العربي الذي أعطى للعواطف دوراً هائلاً بأمل التحرر من عقلية حكومات العسكر أو نفوذ الطائفة، فبدأنا نشهد نموذج الصومال يعمم على سورية والعراق واليمن وليبيا، وهي جميعاً تشابه ذلك النظام بصراع مكوناته الدينية والقبلية.. ليبيا الآن تعيش لحظة الموت المكرر، فكلّ يحتمي بقوته ويعلن تحالفه مع الأضداد ثم ينقلب عليهم، والجيش والحكومة والبرلمان يدّعون الشرعية المعترف بها، لكنهم لا يملكون القوة التي تفرض نفوذهم، وتجربة اللقاءات والحوارات فشلت لأنها تنطلق أساساً من مطامع شخصية؛ حيث من يملك السيطرة على الموانئ والمطارات والعاصمة وحقول النفط فإنه يفرض شروط إقليمه أو دولته بمعزل عن الآخرين، وهنا أصبح الصراع يؤجج كل القوى وفي بلد لديه مخزون هائل من السلاح والنفط والموارد الأخرى.. للإخوان المسلمين سطوة مميزة وهم مع جماعات أخرى يذهبون بآفاقهم ليس فقط للسيطرة على ليبيا، وإنما زعزعة الوضع في مصر، ثم الالتفات لدول أخرى من بينها تونسوالجزائر ومالي، وهي نفس الأفكار التي تقود داعش في الشام والعراق، وفي هذه الأحوال، هل تقوى الدولة على خلق توافق مؤقت يفضي إلى تفاهم بين تلك الأحزاب والجماعات في الوصول إلى حلول تنصف الجميع وتحقق آمالهم في وحدة وطنية، أم أن الفوضى هي الوسيلة البديلة؟ لا يبدو أن ليبيا تتجه للمصالحات لأن من يغذون الصراع واجهات عربية وإيرانية وتركية، كلّ منها تؤسس، لمصلحتها، على تبني تيار يتواصل معها وفق استراتيجيات بعيدة المدى، وهذا لا يعني غياب العيون المصرية والتونسيةوالجزائرية، ولكنها تفقد التنسيق فيما بينها لجذب المعتدلين إليها وتقوية دورهم ونفوذهم، وقد تختلف الاهتمامات والإمكانات من بلد لآخر.. فمصر خرجت من أزمات وجود إلى مرحلة الترميم ثم البناء، ومع ذلك فهي الأكثر يقظة من غيرها في قراءة الوضع الليبي وخطورته على أمنها، وتونس تمر بظروف الانتخابات للخروج من الأزمة السياسية لتعزيز الدولة الديمقراطية، وهي مخاض تريد تجاوزه لطرح مشروع الأمن الوطني كإحدى الأولويات بما في ذلك الجيران وظروفهم والقلق منهم.. الجزائر غير واضحة في سياساتها، وإن كانت الأكثر استقراراً، وهي خاضت أعتى الحروب مع الجماعات الإسلامية والتي لا تزال بعض خلاياها نائمة تنتظر الاستيقاظ، وعينها على مجريات الأحداث في ليبيا التي قد تدعم توجهها وعودتها إلى الواجهة من جديد، وإن كان نفوذها في الشارع لم يعد بتلك القوة، لأن النماذج الإرهابية في المنطقة ربما جعلتها بدون غطاء داخلي ودعم خارجي.. ليبيا بلد مشتت وخطير لأن موارده لو سقطت بيد أي تنظيم فستكون هناك داعش أخرى تشبه الأم في العراق وسورية، لأن من يملك الثروة حتى لو كانت محدودة يستطيع إقامة نفوذ يتوسع وينكمش وفقاً لمتغيرات الظروف، وليبيا التي تقع في خاصرة أكثر من بلد قد تكون بنفس الخطر على جيرانها من تنظيم داعش.. لمراسلة الكاتب: [email protected]