يكاد لا يمر يوم علينا الا ونسمع بمرض جديد لم نسمع به من قبل او مرض قديم عاود الظهور مرة اخرى او زادت نسبه الانتشار او حدث تفشّ هنا او هناك في شتى اصقاع المعمورة. وفى هذه الأيام على وجه الخصوص نسمع بشكل يومى عن إصابات كرونا فى المملكة العربية السعودية وعن إصابات بفيروس إبولا فى مناطق متفرقة من القارة السمراء ومنها تسرب الى مناطق مختلفة اثر سفر اشخاص مصابون الى تلك المناطق. كرونا وابولا يكادان ان يخطفا الأضواء عن المرض القديم الجديد الذى يمتد عمره لالاف السنين ولا زال يحصد ارواح الملايين من بني الإنسان. ومنظمة الصحة العالمية تقدر ان ثلث سكان المعمورة مصابون بالدرن ولكن بالنوع الكامن منه وتظهر الأعراض اي ينشط المرض فى 10 ملايين انسان سنويا ويموت منهم مليون ونصف المليون. جدير ذكره كان المرض اي الدرن يحصد ارواح 4 ملايين إنسان ولكن لوجود رغبه لدى المجتمع الدولى بانقاص عدد الوفيات وبتضافر الجهود الدوليه استطاع الإنسان ان ينقص الأربعة ملايين الى مليون ونصف المليون. ولكن التحدي ما زال قائما حيث تقدر المنظمة بان هناك حوالي ثلاثة ملايين إنسان هم لم يتم التوصل اليهم ولم يتم تشخيصهم. جرثومة الدرن Mycobacterium tuberculosis اصبحت عصية على كثير من الحلول العلمية والجهود التى تحاول الحد من انتشارها بالرغم من وجودها مع الإنسان منذ فجر البشرية. فهذه الجرثومة اصبحت مقاومة للعلاج وبعض من سلالاتها اصبح شديد المقاومة، اي بمعنى انها اصبحت لا تعالج ولا يؤثر فيها كل المضادات الحيوية المتوفرة لدينا. جرثومة الدرن تخرج من سوق العمل 10 ملايين انسان سنويا لتفشى المرض بينهم وهم يحتاجون الى عزل وتنويم داخل مستشفيات العزل عندما تكون حالتهم درنا رئويا مفتوحا وبالتالي التكاليف الباهظة التى تتبع التنويم والعزل والعلاج. هؤلاء ال 10 ملايين عندما يخرجون من سوق العمل وبمدد تتراوح من ستة اسابيع الى العديد من السنين يعني انهم يخسرون دخلا لهم ولأسرهم التى يعولون. ويخسر ارباب العمل إنتاجية هؤلاء المصابين ولاسيما اذا عرفنا ان الدرن يصيب فى غالب حالته الفئة العمرية المنتجة. وأخطر من هذا وذاك هو ان المصابين لديهم القابلية لنقل العدوى الى كل من يحيط بهم بدءا باسرهم ومن يعيش معهم تحت سقف واحد ومن يخالطونهم فى اماكن العمل او بالأماكن العامة ومن ثم نقل العدوى الى الكادر الصحي من اطباء وتمريض وممارسين صحيين وهناك احتمال كبير باحداث عدوى لمرضى اخرين منومين او مراجعين وهذا ما يعرف باسمNosocomial infection وتكمن خطورة الدرن افى الأسابيع الاولى عند الإصابة بدرن مفتوح حيث يعتقد الشخص المصاب بان ما به هو نزلة برد او عرض طارئ سرعان ما يزول ويبقى يكح ويعطس فى وسطه المحيط به ومن ثم ينقل العدوى الى كل من يحيط به لأن الدرن ينتقل عن طريق الرذاذ المحمل بعصيات الدرن والذى يخرج من المريض. فى مقابل الدرن نجد ان فيروسات إيبولا او كرونا هى إصابات حادة ولا تكون كامنة ولا يتطلب علاجها وعزلها اكثر من اسابيع معدودة. والدرن يتطلب علاجه فى بعض الاحايين سنوات عديدة اذا ما كانت الإصابة بدرن شديد المقاومة. وعند النظر فى مرض كرونا بالمملكة العربية السعوددية على وجه الخصوص لان هذا البلد هو بلدي واهتم لأمره وامر اخواني واخواتي من المواطنين والمواطنات نجد ان وزراة الصحة تسجل ما يقترب من 4000 حاله إصابة درن جديدة وقد يكون عدد الوفيات يصل الى 1000 حالة. فى المقابل نجد ان كرونا منذ 2012 وحتى كتابة هذا المقال لم يسجل العدد المشار اليه اعلاه ولم يصل عدد الوفيات الى 1000 حالة على مدى ثلاث سنوات كما يفعل الدرن خلال سنة واحدة فقط. وليس لدي معلومات كم تكلفة حالة واحدة من كرونا ولكن المعطيات تشير ان الدرن يكلف اكثر بكثير باعتبار انه يحتاج مدة اطول للعزل والتنويم والعلاج. إذاً هناك مفارقة عجيبة حيث ان الدنيا اقيمت ولم تقعد وبقيت واقفة لما اصاب الناس من هلع بخصوص كرونا بينما نجد في المقابل انها بقيت كما هي منسدحة ومنبطحة عندما تأتي حكايه الدرن وهو الذي يقتل الملايين من حولنا. الله اسأل ان يحمي وطني المملكة العربية السعوديه شر الأمراض المعدية بكل انواعها ويبقيه خاليا منها ومن جميع الشرور انه قادر على ذلك سميع مجيب.