احتفلت اثنينية عبدالمقصود خوجة بالدكتور إبراهيم عبدالله غلوم، الأكاديمي والناقد الأدبي المعروف، حيث قال مؤسس الاثنينة كلما نتسامى فوق جراحاتنا، يعيدنا الناعي إلى دجنة الحزن، فقد فجعت مع الوسط الثقافي بفقد الشاعر الكبير التربوي محمد الثبيتي (رحمه الله) الذي كان علامة فارقة في مسيرة الشعر المعاصر محلياً وإقليمياً، وأسهم في إثراء المكتبة العربية بدواوينه: (عاشقة الزمن الوردي) و(تهجيت حلماً.. تهجيت وهماً) و(بوابة الريح) و(التضاريس) و(موقف الرمال)، والتي احتفى بها نادي حائل الثقافي الأدبي فأصدرها مشكوراً في مجموعة كاملة.. لقد كان للاثنينية السبق في العمل على تكريم الفقيد، ضمن برنامجها لعام 1425ه/2005م، إلا أن ظروفه الصحية حالت دون ذلك، وظل في معاناة مرضه إلى أن لقي وجه ربه ، كما غيب الموت الدكتور مصطفى البارودي الذي كرمته (الاثنينية) في 16/6/1414ه الموافق 29/11/1993م، فهو من الرعيل الأول الذي خدم التعليم العام والجامعي في سوريا، وكانت له مواقف مشرفة في تاريخها الحديث، سطع نجمه خطيباً مفوهاً، وأكاديمياً لامعاً، وحقوقياً مميزاً. ورحب خوجة بضيف الاثنينية وقال ، الذي ما أن يذكر في محفل إلا وتتداعى معه شؤون وشجون المسرح، وللمسرح لقاءات وذكريات في أمسيات الاثنينية”..منح ضيفنا المسرح في البحرين والخليج بصفة عامة جل اهتمامه، وأسهم فيه بجهد مقدر برعاية كثير من الندوات والمؤتمرات، وأفرد العديد من الدراسات وأوراق العمل التي عالجت قضاياه، وهذا نابع من إيمانه العميق بالدور الذي ينبغي أن يقوم به المسرح في الحياة العامة باعتباره (أبا الفنون)، وحاضن شذرات الفن التشكيلي، والشعر، والموسيقى، والأزياء، وفنون الإضاءة، وتقنيات الصوت، والإخراج المسرحي، وغيرها من الوسائل التي ارتبطت في الماضي والحاضر بهذه الخشبة التي تنبض بالحياة وتقتبس أجراساً منها تعلقها في المجتمع كلما دعت الضرورة لتثير التفاعل المنشود وتسهم في علاج كثير من القضايا.فعرف فارسنا بإنجازاته الأكاديمية. وقال خوجة فقد حاول أن يعيد أمجاد هذا الفن العريق الذي بدأ ينحسر حتى في عرينه، إلى الخليج العربي، مندمجاً برسالة هذا الفن المهم، مؤكداً أن تجربة كتابة النص المسرحي في الخليج العربي مرت بمراحل متعددة، منذ عقد الثلاثينيات في القرن المنصرم وحتى الآن، مذكراً بأن النص ليس نتاجاً لحالة تراكمية، بل انطلاقاً من رغبة في تغيير الواقع ونقده والتوق إلى التعايش مع آلامه، أو المصالحة مع مظاهر التخلف فيه.وبحسبه فالمسرح لم يتحول إلى صيرورة – والتعبير له- مقابل صيرورة الشعر في الثقافة العربية، بل ظهر كفن عابر في سياق حركة تاريخية لم تهدأ من المثاقفة، وعبر علاقة غير متوازنة مع الثقافة الغربية. وتحدث الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم :عن الأطوار أو السياقات التي مر بها قائلاً: كنت منذ وأنا عايش أسرفت في معايشة النصوص لدرجة لا أعرف كيف أميز نفسي بين هذه النفوس الكثيرة، وقد امتدت هذه التجربة التي حاولت فيها أن أقبض على هذا النسق الصعب المستعصي داخل النص، النسق الاجتماعي والثقافي داخل النص، وهو أصعب من البحث عنه في المجتمع أو في الواقع، ومع ظهور أطروحات النقد الثقافي في السنوات الأخيرة، كثيرون تحدثوا عن ما يسمى بالعماء الثقافي وتحدثوا عن العماء من خلال النص، وهي في الحقيقة أوهام، وأنا لازلت أعتقد أن نسيج النص الإبداعي المنفلت في سلسة لا حصر لها من النصوص والتجارب تكمن فيها أنساق لابد من مواجهتها، ففيها تكمن أكبر وأخطر وأشرس ما ينتجه العقل البشري من أنانية، ومن ذاتية، ومن جوانية، ومن انغلاق، في هذا السياق كتبت سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الخليج، وهو الذي تأثرت من خلاله الدراسة أعتقد أحتسبها هامة ودراسة أنجزت جانبا حيا، وأضاف للجهود النقدية التي حاولت أن تقيم صلة بنيوية بين النسق الثقافي وبين النص الإبداعي، وتوالت بعد ذلك تجارب كثيرة (تكوين الممثل)، (الثقافية وإنتاج الممثل)، (الخاصية المنفردة في الخطاب المسرحي)، كتابات كثيرة توغلت في بحث هذا النسق، ولازلت لم أصرخ تماما في آخر حتى ما كتبت، كنت أشعر بأن هذه النصوص التي واجهتها، وواجهتني، هذه التجارب مفخخة بشرك النسق الثقافي والاجتماعي، توهمنا في أيام سالفة بأنها تشكل إنجازات كثيرة، ولكن عندما توغلت في دراستها، اكتشفت إلى أي مدى هي متوغلة في نسقيتها، فمن الهوية إلى النسق الثقافي الاجتماعي، ثم إلى العقل الناقد الوعي ونقد الوعي، وهذه في الحقيقة محطة شائكة جدا، لأنها أهم ما يكون ما أكتب، وهو أن أواجه نفسي بوعي أستخلصه من ذات التجربة نفسها، بدأ هذا السياق أو هذا المفصل بالنسبة لي مبكرا، فتطاولت تجارب النقاد ، إبراهيم العريف هذا العملاق الكبير، رواد الأدب في منطقة الخليج، ولم يكن روادنا فقط في منطقة الخليج، بل حتى في الجزيرة العربية، وفي البلاد العربية، الأفق العربي كان مفتوحا لي في هذا السياق، ولكن أعترف حقيقة أن هذا الوعي أعني الوعي وتقد الوعي، تشكل حقيقة ما أفكر وفيه وما أعقله، أذكر في هذا السياق مثلا أن كتاب القصة القصيرة الذي درست فيه تجارب قصاصين كثيرين، وبعد حوالي سبع أو ثمان سنوات عدت إلى هؤلاء القصاصين مرة ثانية، فكتب عنهم، فوجدت أنني أكتب عن أشخاص آخرين، أنقد كل ما كتبت عنهم من قبل، وأنقد كل ما فكرت فيه من قبل، وأكتب بروح جديدة، كان من أجمل ما عشت في سياق هذه التجربة، هو أنني اكتشفت المفصل الرابع وهو أن هذه التجارب التي أواجهها، وأنقد وعيها، ثم أقيم وعيا آخر ينقد بها وعيي مرة أخرى، هذه التجارب في الحقيقة ليست منفصلة عن بعضها، إنما هي نسيج، إنما هي عالم متداخل، ولذلك في وهلة سريعة بدت أوهام كثيرة تسقط، من الممكن أن أقرأ قصة قصيرة وحدها سخافة تماما، لم تعد القصة القصيرة ، قصة قصيرة، ولم يعد كاتب القصة القصيرة، كاتب قصة قصيرة، لم تعد الرواية الواحدة، رواية واحدة فقط، أصبحت روايات، وأصبحت القصة القصيرة تتابع سردي لا ينقطع، وأصبحت القصيدة قصائد لا تنقطع أبدا، ولذلك أنا اليوم أستمتع بشكل لا مثيل له، وأنا أقرأ لقاسم حداد منذ البشارة وحتى آخر ما يكتب، وكأنني أكتب وكأنني أقرأ قصيدة واحدة، كأنني أتعامل مع نص واحد، لا تنفصل مفردات هذا الشاعر منذ تلك الأيام في الستينات وحتى هذه اللحظة، ولم يعطيني ذلك إطلاقا إحساسا بأنني أما خلل أو مشكلة، على العكس اكتشفت أنها تسمو أمامي أكثر، وترتفع وتتنزه، كلما وجدت النصوص في حالة غرق مطلق بين بعضها البعض، زدت شغفا بها، ولذلك اعتقدت وحتى هذه اللحظة أن هناك مسرحيون يكتبون عشرات النصوص، وكأنهم يكتبون نصا واحدا، من يستطيع أن يجزم بأن صلاح عبدالصبور كان يكتب نصوصا متفرقة، حتى الكتاب الذين ظهورا في السنوات الأخيرة بالمملكة، أتابع تجاربهم وأكتشف لذة شديدة بأنني أقرأ نصوصهم المتفرقة، وكأنها نص واحد، وكأنها نسيج واحد، تداخل غريب، وتداخل لذيذ ويثير الشغف، ويجعل المتأمل في عمق التجربة.