كنت أقلب في الجرائد القديمة فوجدت لقائين مطولين حول الشعر العامي مع رجلين اقدرهما هما الفريق يحيى المعلمي رحمه الله تعالى والاستاذ عبدالله بن خميس عافاه الله ولعل لي مواقف مع الرجلين جلها موثق في أعمالهما حول الشعر، ووفقا لما قرأته في اللقائين اقول : أعتقد ان من المفيد والأصلح ان نعلم ان الشعر العامي بمفهومه البدائي قد تنقل من جيل الى جيل في فترات قد تكون متلاحمة بعض الشيء وان المحاكاة والتجربة الفردية لم تعد هي الخيط المتتبع في رصد قصيدته او حكاياه واساطيره بل القضية اكبر مما نتصوره: لم تعد حديث مجلس أو تصوراً خاطئاً انما هي اجيال متلاحقة ومفاهيم قد تقول انها حضور شارك تمثيله انفس وثروات عديدة، ولا يمكن لأي باحث ان يبتر حياة حسبت على تاريخه ومسار توعيته اياً كانت هذه التوعية وايا كانت محسوسات مبتكريها وماهيات هذه المحسوسات اطلاقاً، والتزمت والتعالي على البدائيين شيء لا يقره الموضوع ولا يحتفل به الباحث الصادق مع نفسه ومع رؤيته الحضارية لماذا؟. لأن الشعر العامي بالذات عامل مهم اثر في تركيبة أحداث مهمة واختلب رؤية انسانية ووعى ما حوله عبرها وكان هو القناة الامينة لما هو اوسع من الذوات الى اللون والكائنات المتناثرة في كل ناحية منه.. الرياح، النجوم، مسارات الفصول، مساقط النوء، نضوج الثمار، ثم الملامح الأخرى في الحيوان والطير وفي الإنسان نفسه، والشواهد على هذا الاحتواء موجودة ومحفوظة في صدور رواته الاحياء ايضا، وانا بقولي هذا لا اعني المتأخر منه بل اعني المشحون بقوة التغير وهو القديم حتى نهاية حياة الملك عبدالعزيز فهذا الشاعر محمد بن مسعر العاصمي القحطاني يقول: ياونة ونيتها يابن نصار ماونها قبلي خلوج بن رومي كني من الفرقا على كير بيطار شبوبه ارطى والسداد مهمومي واللي يشب الكير بالشب جوار عكل عليها صالب ما يقومي فالبيت الأول ما علينا من ونين بن مسعر فهو شاعر هوائي العشق كثير التأوه والمفارقة لكن في الشطر الثاني يصف خلوج بن رمي وفي ما بينه وبينها بعد وتكسرات داخلية اوجدت بالفطرة والعبرة رؤية ومثلا يحفظ ويستشهد به في أكثر من موقف وخاصة في منطقة الوسط (نجد) بالذات اما البيت الثاني فيقول كأنه على كير بيطار والبيطار هنا هو القين والحطب الذي يوقد به نار الحديد هو الارطى وهو نوع من شجر الجزيرة العربية معروف بحدة ناره وهو ومساعده منهمكان ومتحفزان اشد التحفز لعملهما، هذه الصورة المتناهية لا من ناحية احتدام النار ولونها والتهامها للحطب وحدها بل من الناحية الشكلية لهذا القين المعروق المجهد والمجتهد ايضا. هل من الممكن ان نترك مثل هذا الوصف في وقت كان الشعر والأدب العربي في ندرة الكبريت الأحمر كما يقول الاجداد، هل نتركه يضيع هدرا ونبدأ مما يمكن ان نسميه فجوة بين تراث سابق ومحصول متأخر؟ أم أين البديل؟ على كل فقد سعدت بقراءاتي للقاء الاستاذ والشاعر يحيى المعلمي وانه يصدر في ملاحظاته عما هو أعمق من الردود ولا يضمر الا الحب وسيادة اللغة العربية والا فهو يحتفظ في ذلك الوقت بدواوين واشعار عامية يتملاها بين الحين والآخر مع العلم ان الشعر الفلكلوري في السروات وتهامه تختلف قليلا عن عامية منطقة الوسط في الألفاظ والارتام لكنه يرى أن نشر الشعر العامي يجب أن يحد وان يفسح المجال لصاحب المجال وان الاحتفاء بالعامي المتأخر وتركه لا يدري على اي قدم يرقص امر غير مرغوب فيه، اما الشيخ الاديب والشاعر الاصيل عبدالله بن خميس فهو رجل اعطى من فكره وعقله واستحق الريادة بحق وكتب في كل فن على قدر واستطاع وكان لرأيه عن الشعر العامي اكبر نصيب من الصحة والسداد فهو استاذ متخصص وراوية له، علاوة بحوثه واطلاعه الواسع في اللغة والأدب والاستاذان رحم الله المتوفي وعافى الله المريض اهل للسعة والحلم وأبعد ما يكون عن الاثرة والمخالفة وانا واثق تمام الثقة من قولي هذا وافضل.