أخيراً استقر المطاف بأبي عبدالرحمن قريباً من داري بعد ان مل التطواف ولعلني من المقدرين ومن الذين خبروا نشاطه وزامله في جمعية الثقافة والفنون حينما أصدرت (مجلة التوباد) التي لم تستمر كما قدر لها، ولا أكتمكم سرا ان الجميع قد سعدوا عندما اتجه هذا الشيخ المفضال الى حيث يجب أن يكون فبعد تطواف ومماحكات كما يقول ويعيد في مقالاته رأى ان الفائدة من التعلم تكمن في علمين لا ثالث لهما علم ينتفع به العبد في دنياه وآخرته وهو ما اختاره أخيراً وعلم يستفيد الناس من غايته في النهاية وقد استشهد فيما مضى على ذلك بقول ابن مسعود رضي الله عنه. ترى هل الاستاذ لم ينتبه الا بعد التجربة التي ايقظته؟ أم ان الشباب له نوازعه؟ أم ان المعارف العصرية لها فضول احب ان يطارحها وأن يتوزع هنا وهناك، لقد فكر يوما ان يكون شاعرا اصيلاً فأصدر ديوانه المعروف (النغم الذي أحببت) فلما تبين عاقبته اتجه الى الشعر المحدث ولايزال يتخوف من المحدثين ويكظم غيظه وهو بلاشك على مضض لا يعلمه الا الله حتى وان (اختطف صواع الملك) حيث ظل يملأ الصفحات تلو الصفحات بالنقول طيلة العقود في يومياته بجريدة الجزيرة.. فأحد قال ان كل ما تصدر اليه يا أبا عبدالرحمن قد يكون من النثر المشروع حتى وان اردت توزيعه احياناً على شكل الشعر، لا تقل لي ولو غطيت بنقول قيل وقال انها ستغير ما في ذاكرة المتابع واحرص من هواة الصياح ومرتادي ندوات الصحون والولولة أو حتى الظن بأنهم قد يصدقون مع الارادة او انهم سيتبرون ما وعيته، تأكد من اخيك الصغير انهم مجرد هواة للمخالفات ومن ثم ما يعقبها من ردة الفعل، واعلم ان التكثيف هو المحبوب لدى القارىء اما ذلك الكلام الطويل الذي يبدأ بالشخصنة وينتهي بالتزكية لما تراه فهذا يغطي كما ألمحنا مساحة يومياتك أو حتى الصفحة الممنوحة التي قد يصير لها بقية في الذيول.. اما الآخرون فيقولون بل ما يريده شعرا فهو شعر على طريقة النثر المشعور اما كبير المصححين في جريدة الجزيرة رحمه الله فقد أتى بالباقعة وذكر الرجل ببعض ما سلف لكنه آثر الصمت واطلقها كما كان يفعل جده ابو الطيب (أنام ملء جفوني عن شواردها) اما انا فلم أحر جوابا بل ضريت على صدري كما كان يفعل الأعمش رحمه الله، اما ما علمه (وردزورث) فهذا ما لا يقدر عليه الا من نذر نفسه لمؤلفات وجهود ابن زورث وان كنا نقرأ بعض اشعاره المترجمة ولم يعطنا الله الجلد الذي ابرزه لنا ابو عبدالرحمن في سفر أخذ طريقه الى المكتبة قبل فترة سلفت. هل تصدقني ايها المحترم وانا القحطاني او الجنوبي الذي تعرفه ام انك ستمسح على ذقنك وتقول بصوت عال لم يبق الا أهل الجبال وعنجهيتهم المتوارثة، اقول هل تصدقني ان كل ما حاولته ادبيا لا يساوي جناح بعوضة مع ما اخترته اخيرا واوقفت نفسك عليه فأنت مجتهد مثابر ويجب أن لا تحجب معرفتك بكتاب الله وسنة نبيه او ما اهتديت اليه مع التأكيد على حسن الاسلوب والمحاورة المفتوحة، فليت اننا نقدر ولنا بعض ما وهبك الله من ذلك فامض على بركة الله واعلم اننا من متابعيك ومن الحريصين على ندوتك اذا لم تتغير اما الاجتماع في دارك فهذا عائد اليك والكرم من شيم العرب وواحد من مفاخرهم المتفردة، قال اخو مذحج: تعالي فقد جن هذا الشتا وضعنا مدى رهجه المرهج ضجيج غريب وسمسرة تخطط حتى على العوسج وتقتير دخل وبرد الشتا يلوب مع المنتهى الأعوج وربة بيت وأطفالها لدى مدخل الدار والمخرج.