كلما سرت بشارع أو مررت بطريق عابر داخل مكةالمكرمة أو على أطرافها خلال الفترة الحالية فان أكثر من صورة تتراءى أمامك مشيرة إلى بدء تحول العاصمة المقدسة من الهدوء الذي كان يكسوها إلى حركة دؤوبة تقودها ورش عمل متنقلة بين الأحياء حاملة لوحات تعريفية لمكاتب ومجموعات الخدمات الميدانية التابعة لمؤسسات الطوافة وأخرى للوحات إرشادية بلغات مختلفة هدفها خدمة القادمين لأداء فريضة الحج الذين بدأت الاستعدادات النهائية لتطبيق الخطط والبرامج التشغيلية لهم . وان تحدثت العديد من الكتب والمراجع عن المطوفين وعرفتهم فان خير من عرفهم سابقا هو أمير البيان شكيب أرسلان خلال رحلته للحج عام 1349 ه ودونها في كتابه ( الارتسامات اللطاف ) بقوله “ (إن في الحجاز حماه الله طائفتين لابد لقاصد الحجاز أن يكون له علاقة معهما ولا يكاد يستغني عنهما، وهما المطوفون بمكةالمكرمة والمزورون بالمدينة المنورة، فالحاج يأتي غريبا لا يعرف أحدا والغريب أعمى ولو كان بصيرا، فلابد له من دليل، يدله، ويسعى بين يديه، ويقضي حوائجه، ويرتب له قضية سفره ومبيته ويعلمه مناسك الحج التي كان أكثر الحجاج يجهلونها). في حين أن السيد / فؤاد عنقاوي عرفهم في كتابه ( مكة.. الحج والطوافة ) بقوله : ( إن المطوف هو ذلك المكي الذي خرج من بطحاء مكة، ونشأ وترعرع في وديانها وسقي من زمزمها واكتوت قدماه بحرارة صخرها وجبالها ) . وبين التعريفين وما سبقهما من تعريفات نرى أن المطوف شخص اعتباري يعتز بمهنته التي ورثها عن أبيه وجده حريص على فتح داره وتجنيد أولاده لخدمة من قصد البيت الحرام ملبيا نداء الحق تبارك وتعالى. ولو عاد بنا الزمان قليلا وقلبنا صفحاته وقرأنا محتوياته لوجدنا أن العلاقة بين المطوف والحاج لم تكن علاقة آنية مرتبطة بفترة زمنية محددة أو مصلحة مالية فهناك من المطوفين من ارتبط بعلاقات أسرية بحجاجه فصاهرهم وتزوج منهم. وان لم تكن هناك علاقة مصاهرة بين المطوف والحاج فان العلاقة متوطدة ومبنية على أسس دينية وإنسانية تكسوها الروحانية وحسن الخلق في التعامل. وان كانت الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام قد شهدت خلال الفترة الحالية دخول العديد من التنظيمات الإدارية والعملية فان للمطوفين خدمات نوعية بارزة سجلتها ذاكرة الحجاج قبل كاميراتهم ونقلوها بصدق ألسنتهم ليرووها لأجيالهم. فشكلت تلك الخدمات تحولات كبرى جعلت الحجيج يقفون مقارنين بين سنوات مضت حملت الكثير من المعاناة وسنوات أخرى أشرقت فنقلت لحجاج بيت الله الحرام حلة فحملت الراحة والطمأنينة لهم. لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان وفضله على سائر مخلوقاته قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70). وأوضح الشارع جلت قدرته أساليب وأسس الاحترام وآداب التعامل باعتبارها قيماً متأصلة في الحياة الإنسانية الإسلامية لذلك فان التعامل مع الحاج بطريقة انسانية لا يشكل سمة أدبية فقط لكنه يؤكد على آداب الاسلام وسماحته وهو ضيف للرحمن قدم ملبياً وراجياً. وروى عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ‘'ليس منّا مَن لَم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا''. وقوله عليه الصّلاة والسّلام: ‘'ليس منّا'' فيه زجر للإنسان الّذي لا يحترم الكبير ولا يرحم الصغير، والمسلم عليه أن يُهذِّب الصغير ويؤدّبه، وذلك بأن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر؛ لكي ينشأ الصغير رجلاً من صغره، ينشأ وهو يعرف الحلال والحرام، ويعرف الخطأ والصواب، ويسمَع ويطيع طالما أنه يؤمر بالحق. وقوله ‘'ليس منّا مَن لَم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا'' أي: أن على المرء أن يعطف على الصغير ويُعلّمه ويؤدّبه ويعطيه ويطعمه ويسقيه رحمة به، وأنه ينبغي عليه أن يعرف شرف الكبير، الكبير في العلم، والكبير في السن، والكبير في القدر والمقام، فيعرف شرفه فيقدّره.