بين كتب تراثية ومراجع علمية نقتنيها بين الفينة والأخرى شراء أو إهداء نستقرىء بين صفحاتها جملا وبين أسطرها كلمات عن زمن مضى وحضارات اندثرت ومصطلحات كنا نجهلها حتى وقت قريب وفي كل قراءة تكون العين ناظرة والأذن صاغية واليد لامسة واللسان ناطق فنتعلم ماهو غائب عن الذهن بعيد عن الفكر. وبين ما نقرأ يبرز الحوار بين الأفراد بشكله الممتع لينمي الأفكار ويوسع الآفاق ويعرفنا على مايحمله الآخرون من أسلوب في الحديث والنطق وإدارة النقاش بأسلوب علمي نستفيد منه في حياتنا العملية. غير أن العكس يكون مؤلما حينما نجد في الجانب الآخر من طاولة الحوار جاهلا مغرورا لايعرف إن كان الحجاج بن يوسف الثقفي خليفة أم والياً في العهد الأموي. ومثل هذه الشخصية عرفها المتخصصون بالشخصية العصابية التي تتسم بنقص النضج وعدم الكفاءة والقدرة على تحمل الضغوط والتقليل من شأن الذات وتعيش دوما حالة من القلق والخوف والتوتر والأنانية إضافة إلى نقص البصيرة واضطراب العلاقات الاجتماعية وعدم الرضا والسعادة فتنطلي عليها الكثير من الحيل ظنا منها أنها فطنة لما يحدث قادرة على مقارعة الآخرين وللحقيقة نقول إن هناك من يعيش حالات من الغفلة نتيجة للتخلف العقلي فيظن انه فطن وواعٍ وأن الأمور تسير لصالحه وهنا يشير علماء النفس إلى أن مثل هذه الشخصية تعرف بالشخصية المتخلفة عقليا. والتخلف العقلي Mental Retardation يعرف ب “الانحطاط الواضح في نسبة الذكاء والذي يجعل صاحبه عاجزاً عن التعليم المدرسي وهو صغير، وعن تدبر أموره دون إشراف من الآخرين وهو كبير. وهو درجات متفاوتة ابسطها المغفّل وأوسطها الأبله وأشدها المعتوه”.أما المغفَّل Moron: والذي يسمى أيضاً ب “المأفون” و“الأهوك” : فتتراوح نسبة ذكائه بين 50 و70 ويتراوح عمره العقلي بين 7 و10 سنوات ” . و“الأبله Imbecile: تتراوح نسبة ذكائه بين 25 و50 ويتراوح عمره العقلي بين 3 و7 سنوات ومن خصائصه العقلية المعرفية انه غير قابل للتعليم ، إلا أنه قابل للتدريب تحت الإشراف على بعض المهارات الأولية التي لا تشكل خطرا على حياته”. وعلى ذلك يمكننا القول بأن البعض من السفهاء والجهلة يسيئون التصرف في أحاديثهم وأعمالهم فلا يحكمون العقل إذ يرون أن في الانفعال والإقلال من شان الآخرين ومكانتهم في أي نقاش وحوار خير وسيلة لتصحيح وجهة نظرهم والإشارة إلى أنهم عظماء بعطائهم الذي لايعدو كونه مجرد كلمات سيقت من قبل وانطلقت على عقولهم. وهو مايشير إلى أننا أصبحنا نرى المغفلين وقد زينت صفحات الصحف صورهم وان سألتهم عن معنى “ علقة ” لوجدتهم يتحدثون عن العقاب المدرسي الذي غاب. إن مشكلة هؤلاء وغيرهم أنهم يريدون أن يظهروا في الصورة حتى لو كان ذلك بظلهم وعلى حساب الآخرين فرغبتهم في الظهور أصبحت تشكل داء لايكمن علاجه إلا في نشر صورهم حتى وان كانت بصفحات الإعلانات المبوبة. يعتبر دوركايم الظاهرة الاجتماعية “ نسبية بحكم ظروف نسبية إنتاجها وظروف التحكم بها وفي نفس الوقت يرى أن الظواهر المعتلة والشاذة هي أيضا لها وظائف وليس صحيحا أنها ظواهر غير طبيعية. فظاهرة الاختلال في عمل المؤسسات أو في التجارة هي ظواهر معتلة وشاذة ولكنها أيضا طبيعية أما حالات الانخرام الكامل كانخرام النظام الاجتماعي فهذه – مثلا - حالة غير طبيعية لأنها تعبر عن صراع مدمر وهو مايرفضه دوركايم الذي يعتبر فكرة الصراع المدمر هي حالة غير طبيعية بامتياز ”.