أول الميزان من كل عام يعيد إلى أذهان جميع المواطنين في المملكة ذكرى من أعز وأغلى الذكريات ...ذكرى صناعة التاريخ ، تلك الصناعة التي انتجت دولة حديثة موحدة في شبه الجزيرة العربية، وولادة المملكة في يوم (21 جمادى الأولى 1321ه الموافق 23 سبتمبر 1932م). هذا اليوم ليس للتاريخ فحسب ، بل يوم الحاضر كما هو للمستقبل فأول الميزان يحدد حاضرنا ، كما هو مرجعنا للمستقبل ، فصناعة التاريخ التي غيرت شبه الجزيرة العربية منذ (80 عاماً) وتحويلها من قبائل متناحرة إلى دولة موحدة ، هي نفسها التي جعلت المواطنة العنصر الأول في العناصر المكونة للدولة الجديدة. فأول الميزان هو صناعة التاريخ التي أسست يومنا الوطني ، فهي صناعة تتغير وتتجدد ، مبادئها ثابتة واداؤها متجدد ومتغير فبناء الأمة الذي انتجته هذه الصناعة كانت فاتحة بناء الدولة بعناصرها السكان المتحدون الاقليم ، الموحد ، الحكومة ، والسيادة ولقد كانت صانعة التوحيد بين أفراد شبه الجزيرة العربية ، وأقامت المواطنة والتي جعلت ابناء شبه الجزيرة يتحررون من القيود والحواجز الزمانية والمكانية للقبلية والنزاعات البدوية. ان أول الميزان المجيد يمثل علامات مضيئة وبارزة في تاريخ المملكة المعاصرة ، فقد قامت باحداث اصلاح شامل وجذري من أجل توحيد جميع اجزاء شبه الجزيرة العربية من أجل تحقيق وتنفيذ مبادىء أساسية وأهداف محددة وطنية بدءاً بعملية الانصهار الوطني واحداث اصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي وارساء جذر الدولة الحديثة. ومع تواصل مسيرة عطاء (صُناع التاريخ) فإن الجهود التي بذلت ، ومازالت تبذل من أجل الوطن ، ما هي إلا تعبير صريح عن مدى تواصل مسيرة (صُناع التاريخ) في المملكة ..تلك المسيرةالتي هي سلسلة من المراحل والحلقات في العطاء في سبيل بناء الوطن الجديد على أرض شبه الجزيرة العربية. ولعل من الضروري الاشارة إلى حقيقة هامة من حق الأجيال الجديدة والصاعدة أن تتعرف عليها وهي أن سكان شبه الجزيرةالعربية كانت مع جهود المؤسس الملك عبدالعزيز الذي استطاع بحكمته القيادية إلى الغاء أزمة الذات الشرعية، أزمة التأثير ، وأزمة المشاركة ، ولولا ذلك ما استطاع (صانع التاريخ) أن يوحد الأمة وينشيء دولة حديثة موحدة وأن تحظى بتأييد شعب شبه الجزيرة العربية. تلك كانت الصورة عشية قيام المؤسس الموحد كانت الأرض ممهدة لمن يتقدم الصفوف نيابة عن أبناء شبه الجزيرة العربية ، كانت كل القوى المكونة لمجتمع شبه الجزيرة العربية آنذاك ، تؤمن بأنه لا خلاص لهم إلا عن هذا الطريق الذي رسمه (صانع التاريخ) المؤسس لتحديد الاتجاه الأمثل لتحقيق الدولة الكاملة القوية والموحدة. ربما يكون ضروريا أن نتفق على ثلاث نقاط أساسية لا أظن أنها تحتمل أي خلاف في اطار أي تقييم لصناعة التاريخ الذي انتجها وسجلها (صانع التاريخ) الملك عبدالعزيز وهي: أن أول الميزان لم يكن نبتاً فجائياً وضع بذرته (صانع التاريخ) المؤسس الملك عبدالعزيز ، وانما كان امتداداً طبيعيا لنظرته الثاقبة للقضاء التام على الصراعات القبلية فجاهد دون كلل بحثاً عن تحقيق للانصهار الكامل وطرد شبح الانقسامات القبلية. إن الأوضاع الاجتماعية في شبه الجزيرة العربية عشية تحرك (صانع التاريخ) الملك عبدالعزيز كانت قد بلغت درجة مخيفة بين القبائل التي بليت بحروب وغزوات يُدبرها رؤساء عشائر وقبائل غير معتبرين مما أعاق من تحقق قدر من التراضي في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ، بل أدت انقساماتهم القبلية إلى عدم الاستقرار وزرع نبتة الخوف بين أفراد القبائل المتخاصمة والمتنافرة. انزلاق بعض رؤساء القبائل في محظور اللجوء إلى تحالفات مع قوى خارجية لتحقيق مصالحها أو حماية امتيازاتها وكانت تلك سقطة كبرى اسهمت في اتجاه (صانع التاريخ) الملك عبدالعزيز للقضاء التام على هذه الفئة من زعماء القبائل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي بين أبناء شبه الجزيرة العربية. ولذا فإن النقاط الثلاث التي تبناها (صانع التاريخ) الملك عبدالعزيز لم تكن من فراغ ، وانما كانت تعبيراً عن واقع يحتم التغيير ويوفر أوسع أرضية للانصهار الوطني حول هذه النقاط من أجل التوحيد وتجنيب الأمة مخاطر الفرقة و الانقسام ، وإنهاء مرحلة الفوضى القبلية. الامر الذي ينبغي أن لا نبتعد عن الحديث أو تحليل كل مرحلة عن أهداف تلك المرحلة وجودة الآراء الذي تميزت بها، فلقد بدأت صناعة التاريخ والجودة التي تميزت بها برفع الملك عبدالعزيز علم التوحيد ، ثم تلاه الملك سعود ثم تلاه الملك فيصل ، ثم الملك خالد ، فالملك فهد ، وصولاً إلى عهد الملك عبدالله ليستكمل جودة الاداء والعطاء والبناء ويواجه بكل اقتدار التحديات المتغيرة التي سادت مراحل البناء الوطني بفكر مستنير يتسم بالقدرة القيادية الفائقة في مواجهة المتغيرات المحلية والدولية المعاصرة. ولعل المتتبع لحقائق ما يدور حولنا من أنشطة وخطط وبرامج ..يستطيع أن يرصد مع كل أول الميزان من كل عام بكل صدق وأمانة العديد من الاصلاحات والانجازات التي تحققت في عهد الملك عبدالله خلال السنوات الماضية من حكمة، والتي تعتبر امتداداً طبيعياً لما استهدفته مسيرة التوحيد منذ انطلاقتها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز في شتى المجالات ، فالحفاظ على استقرار الوطن وسلامة اراضيه ، ما هو إلا شاهد أكبر لابرز ثوابت مسيرة التوحيد التي حمل لواءها الملك عبدالعزيز والتي دعت إلى الانصهار الوطني والقضاء على أزماته. آيا كان الأمر فإن بصمات أول الميزان يمكن لمسها أو رؤيتها في جميع المجالات من أجل تحقيق مبادىء دولة الرفاهية التي تهدف مبادئها إلى تحقيق التكامل الاجتماعي بين أبناء الأمة ، لذلك فإن الانجازات المتتالية في جميع مراحل التوحيد من بناء الأمة إلى اقامة الدولة ثم قيام النظام السياسي السعودي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك مدى التواصل والعطاء من قادة بلادنا الأوفياء. فأول الميزان يمثل حنكة سياسية ، ومعجزة بناء أمة قادها الملك عبدالعزيز واستمر ابناؤه من بعده في تواصل العطاء ، نالت خلالها قيادتنا احترام العالم، كما نال الشعب أيضاً احترام شعوب العالم لما يحمله من صفات حميدة ، صقلتها جودة التجربة ، وسجلتها كتب التاريخ ، وفي هذا اليوم يجب ابراز هذا التواصل ووضعه تحت بصر شبابنا لكي يكون نبراساً يضيء لهم الطريق وللاجيال المتعاقبة من ابنائنا ...حقائق جودة صناعة التاريخ في مراحله المتعددة.