يشكل على البعض فيقول: كيف يعاقب العاصي على معصيته ويثاب المطيع على طاعته مع أن الله أراد ذلك وشاءه؟ إن لديهم يقيناً واعتقاداً بأن ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فبذلك تكون المعصية والطاعة بمشيئة الله فكيف يعاقب على المعصية ويثاب على الطاعة مع أنه ليس فيها مشيئة؟ وإن كان ذلك إشكال على الإنسان لا على سبيل الاعتراض فنرد عليهم بقوله تعالى (لمن شاء منكم أن يستقيم) فالله سبحانه في هذه الآية جعل الاستقامة بإرادة الإنسان إن شاء تذكر بالقرآن وانتفع واستقام وإن لم يشأ لم يتذكر ولم ينتفع ولم يستقم... ففي هذه الآية أقر الله أن للإنسان إرادة واختيار.. وفي قوله تعالى (سيقول الذي أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولاحرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا)، يذكر الله في هذه الآية الكريمة اعتراض المشركين لتبرير شركهم وعصيانهم ويقولون لو شاء الله ما وقع ذلك منا وبقول أن من قبلهم قال مثل قولهم حتى أذاقهم الله بأسه لأن قولهم باطل وفيه اعتراض على الله. إذا نستخلص أن الإنسان له إرادة في كل أعماله (طاعة أو عصيان) وكل ما يفعله هو باختياره ليس مجبراً عليه ونحن نؤمن يقيناً أن من مراتب القدر مشيئة الله لهذا القدر.. وللجمع بين المشيئتين مشيئة الله وإرادة الإنسان بأن مشيئة الله سابقة لإرادة الإنسان لقوله تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله). والإنسان لم يعلم أن الله شاء أو لم يشأ إلا بعد أن أراد هو وفعله فليس له عذر في ذلك. فمثلاً لو عزم إنسان على أمر ما وأعد له عدته كأن يعزم على العمرة ويشد رحاله لكن في لحظة واحدة يجد نفسه مصروفاً عن ذلك فليس أمامه من خيار إلا أن يقول (لم يشأ الله العمرة لنا) فالإنسان أراد العمل ولكن الله لم يشأه كذلك لو هم بمعصية وسعى لها فإن لم تتم له فالله لم يشأ ذلك مع أن الإنسان شاء وإن تمت له فإن الله شاءها له ولاعذر له في ذلك لأنه ما علم أن الله شاءها إلا بعد أن سعى هو لها.. والله جل في علاه ميز الإنسان بعقل وجعل له مشيئة تكريماً له وبين له طريق الخير ومواصفاته ونهايته وبين له طريق الشر ومواصفاته ونهايته وجعل له الخيار في سلوك أيهما شاء فهو سبحانه (لايظلم الناس شيئاً) (وهو أحكم الحاكمين). فلا عذر لأحد سلك طريق الشر بعد أن يأتيه العلم فمثلاً لو قدم لإنسان صنفان من الطعام وقيل له الأول طعام طيب نافع والثاني فاسد ضار فمن الطبيعي أن يأكل من الأول ولو أكل من الثاني لأكثرنا عليه اللوم والتأنيب علاوة على ما سيجنيه من فعله. وهذا يدلنا على أن هذا الانسان إنما اختار الطعام الأول بإرادته لم يجبره عليه أحد كذلك في اختياره لطريق الهداية أو طريق الضلال. ومن ذلك نستخلص أنه يتضح بطلان قول القائلين إن الإنسان جبري بكل أفعاله وأيضاً لايصح التعذر بمشيئة الله لاتباع الهوى والاستجابة لدواعي الكسل والحرص على طلب الخير والسعي إليه واجتناب الشر والبعد عنه وأن كل يتحمل تبعات أعماله إن خيراً فخير وإن شراً فشر. ندى صالح الدبيسي بريدة