يعتبر علم النفس من العلوم الهامة في حياة الأفراد والمجتمعات , فلا يستطيع أي مجال من مجالات الحياة الاستغناء عنه وعن خدماته المتميزة , ولعل أهم ما يميزه هو اهتمامه بالأفراد وبطبيعتهم البشرية , وبل ما يختص بتلك الطبيعة من سلوك ورغبات ودوافع واحتياجات واهتمامات , كما يختص بكل ما يتعلق بالتعلم أو الطريقة التي يكتسب بها الأفراد المعارف والمعلومات من خلال تفاعلهم مع المحيط الخارجي لهم ؛ ووفق القدرات والإمكانيات والخصائص الفردية المتاحة لكل فرد منهم. كما يهتم علم النفس بعملية التربية والتعليم , والتكيف والتوافق , الفردي والاجتماعي للإنسان داخل المجتمع الذي يعيش فيه. ولا شك أن عملية التعلم Learning هي من أبرز الأمور التي انشغل بها علماء النفس , وذلك باعتبار أنها أهم المظاهر الأساسية في حياة الفرد , ولقد أثارت هذه العملية الكثير من الجدل والاختلاف حول تحديد المفهوم والطبيعة والقوانين التي تحكمها , ومن هذا الاختلاف انبثقت العديد من الآراء والاعتقادات والدراسات والتي ورثت في جوهرها العديد من النظريات المهتمة بتفسير جانب أو عدة جوانب من السلوك الإنساني , ولعل القاسم المشترك بين تلك النظريات هو البحث والتنقيب , والتفسير والتحليل للتسلسل السلوكي القائم على المبادئ التي يتعلم بها الإنسان والمقصود بعملية التعلم هو التغير في الأداء والسلوك الناتج عن تأثير البيئة ؛ بحيث يصنف هذا التغير وفق ثلاثة أبعاد رئيسية وهي البعد المعرفي Cognitive Dimension ويتمثل في تعلم المعلومات والحقائق والمفاهيم والقوانين وغيرها , والبعد الحركي Dimension Skills ويتمثل في تعلم مهارات الحركة والكتابة والطباعة والرياضة وغيرها , والبعد العاطفي الوجداني Dimension Emotional ويتمثل في تعلم الاتجاهات والميول والتفضيلات وغيرها. وترتبط عملية التعلم بعملية النمو الإنساني ؛ وهي عملية شاملة متكاملة من جميع الجوانب وليست مقصورة على ناحية معينة أو بعد معين دون الأخر , ويحدث من خلال هذه العملية تفتح لإمكانيات الفرد الكامنة , وتظهر في شكل قدرات ومهارات وصفات وخصائص شخصية وسلوكية. ولعل سبب الارتباط القائم بين العمليتين ( النمو _ التعلم ) هو أن دراسة النمو الإنساني تسمح باكتشاف الخصائص والصفات الرئيسية السائدة لدى الفرد في كل مرحلة من مراحله العمرية ؛ مما يساعد ذلك في وضع منهجية التعلم المناسبة والملائمة والتي تتوافق مع تلك الخصائص والصفات , وبالتالي فإن عملية النمو الإنساني أمر بالغ الأهمية لتحديد المظاهر السلوكية المعرفية والمهارية والاجتماعية والنفسية المتعلمة والمكتسبة في كل مرحلة. والجدير بالإشارة هنا ؛ أن دراسة عملية النمو ليست حكرا ًعلى علم النفس ؛ بل نجد أن العديد من العلوم تتكامل وتتخذ منها مجالا ً لها. أما موضوع دراسة علم النفس لعملية النمو فهو يتجسد في كونه دراسة لسلوك الفرد وتطوره الطبيعي في إطار العوامل الوراثية والبيئية والعضوية المؤثرة فيه , سواءً كانت تلك العوامل جغرافية أواجتماعية. وتتضمن عملية النمو التغيرات الجسمية والفسيولوجية التي تحدث في أجهزة الجسم المختلفة , والتغيرات العقلية والمعرفية والانفعالية والسلوكية والاجتماعية والتي يمر بها الفرد في مراحل نموه المختلفة. إن التلاحم القائم بين عمليتي التعلم والنمو الإنساني يجعلنا نقف كثيرا بين المعاني والقيم والتفاعلات المتداخلة بين هاتين العمليتين ونوجه لهما العناية بمزيد من البحث والتنقيب والدراسة المتواصلة والمتآزرة.