تتسبب الاضطرابات الخلقية والوراثية بحالات حادة من التخلف العقلي أو المرض أو حتى الموت المبكر، ، إن لم يتم علاجها خلال السنوات الأولى من عمر الطفل. وتعد المملكة العربية السعودية من أكثر الدول التي تعاني من حجم ومستوى الأمراض المسببة للإعاقات المختلفة لدى الأطفال حديثي الولادة، وتظهر الإحصائيات أن هذه الأمراض تظهر في واحدة من كل ألف حالة ولادة مقارنة بالدول الأخرى حيث تقل هذه النسبة إلى (4000:1) في أمريكا وأستراليا وألمانيا، وإلى (7000:1) في اليابان. ومن خلال برنامج الكشف المبكر لحديثي الولادة يمكن للعلماء والباحثين والمختصين تعزيز بحوثهم وتحسين طرق علاج العديد من الأمراض الوراثية والإعاقات، بل والحد من تأثيرها على المعاقين وذويهم. وانطلاقاً من اهتمام حكومة المملكة بتوفير الرعاية الصحية والطبية المتكاملة لجميع المواطنين، وإيلاءها قضية الإعاقة جل اهتمامها، برز العديد من مشاريع الصحة العامة بالمملكة التي تهدف إلى تشخيص بعض هذه الاضطرابات وتحليلها ومن ثم الخروج بوسائل ناجحة لعلاجها أو حتى الوقاية منها بإذن الله. ولعل أحد أهم هذه البرامج الطموحة التي أثبتت جدارتها وجدواها، هو “البرنامج السعودي للكشف المبكر لحديثي الولادة”، الذي يديره مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة بتمويل وإشراف من وزارة الصحة السعودية. انبثق “البرنامج السعودي للكشف المبكر لحديثي الولادة” عن مشروع “مختبر الكشف عن الأمراض الاستقلابية”، الذي أنشئ في أواخر الثمانينات وتميز ببحوثه حول الاضطرابات الاستقلابية الوراثية الشائعة بالمملكة والشرق الأوسط، والتي تأتي عموماً نتيجة معدلات زواج الأقارب العالية، ليتم فيما بعد إنشاء “المختبر الوطني للكشف المبكر لحديثي الولادة”، حيث يتم الفحص على ستة عشر مرضا من أمراض التمثيل الغذائي والغدد الصماء. وأوضح الدكتور سلطان السديري المدير التنفيذي بمركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة “أن الكشف المبكر والمستمر يمثل وسيلة أفضل لفهم حالات الإعاقة ونوع التحديات التي يواجهها الأشخاص المعاقون في المملكة، ومن خلال البحث العلمي الدقيق يعمل المركز كخط دفاع لرصد ومجابهة العديد من الأمراض الوراثية مما يسهم فعلياً في إنقاذ العديد من الأطفال من خطر الإعاقة”.عملياً، يتضمن الكشف المبكر أخذ عينة دم من كعب الطفل خلال 72 ساعة من الولادة، وتسليمها إلى المختبر المخصص لتحليلها والكشف عن حوالي 16 نوعاً من أمراض التمثيل الغذائي وأمراض الغدد الصماء الخطرة والقاتلة أحياناً التي تعتبر من أكثر الأمراض الوراثية المسببة للإعاقة الجسدية والذهنية لدى الأطفال، ومعظمها قابل للعلاج بإذن الله بعد الاكتشاف المبكر لمسبباتها. ويشير السديري إلى أن “أطباء الأطفال في المملكة يواجهون يومياً صعوبات عدة في معالجة الأطفال الذين يعانون من أمراض الإعاقة الذهنية بسبب أمراض التمثيل الغذائي والغدد الصماء، ولو قدر للأطباء اكتشاف هذه الأمراض مبكراً خلال 72 ساعة من زمن الولادة على أبعد تقدير فسيكون من الممكن الوقاية منها أو معالجتها بشكل فاعل” بإذن الله.ويعمل مركز “الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة” بدعم من وزارة الصحة لتوسيع هذا البرنامج ليشمل الكشف على ما يقرب من 300,000 مولود خلال الفترة القادمة، ومن المخطط أن يتزامن ذلك مع حملة إعلامية موسعة لرفع الوعي العام بأهمية البرنامج تمهيداً لتطبيقه على أكثر من 500,000 مولود في كافة مستشفيات المملكة العامة والأهلية في المستقبل.