الجود صفة إنسانية جليلة يتصف بها الكثير من الناس أصحاب المعادن الأصيلة .. ومن مآثر تلك الصفة توطيد علاقات المحبة بين أفراد المجتمع..وأعلى مراتب الجود الجود بالنفس وكما قال الشاعر: يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود ولقد جاد من سبقنا من المسلمين بأنفسهم ابتغاء مرضاة الله ووضعوا أرواحهم فوق أكفهم لا يهمهم أوَقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم. خير دليل على ما نتحدث عنه سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي باع نفسه لله تعالى ، فكان نافذة مضيئة في تاريخ الإسلام والمسلمين والصحابة عليهم رضوان الله ورحماته, فكيف أعلن ابن الوليد في الناس أن القوة ينبغي أن تنصر الحق وتنصف المظلوم وترسي دعائم الحرية فقال عنه صديق الأمة : (عجزت النساء أن ينشئن مثل خالد إنه ابن الوليد زغرودة النصر وأنشودة الجهاد الباني). فلم يكن رضي الله عنه متعطشاً للدماء ولم يحتكم إلى السيف إلا وقت الضرورة . ما أردت التطرق إليه من خلال هذه المساحة أن اذكر بان جميع أبطال الإسلام الذين عرفوا آداب الجهاد الذي به نصون مقدساتنا ونحمي أعراضنا شجاعته كانت محكمة رأيه كان سديدا وكأن المتنبي قد أفصح عن تلك الشجاعة وذلك الرأي بقوله: الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس حرة بلغت من العلياء كل مكان جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قدم نفسه رخيصة في سبيل الله صاغ ضمير الحياة فأكرمه الله بذكاء العقل وإشراق القلب فدعي إلى مكرمة الجهاد في مؤتة ولم يتردد ووقتها جمع الروم أكثر من مائتي ألف مقاتل مقابل ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين وما إن استشهد زيد بن حارثة وعانق مصيره حتى استلم منه اللواء جعفر بن أبي طالب وانقض على الروم كالإعصار فأصيب بأكثر من تسعين ضربة وأخذ الراية بعده عبدالله بن رواحه الذي وقف ينشد: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حَرّان مُجُهِزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جسدي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا تلك كانت أمنيته التي تنقله إلى عالم الشهادة الخالد وانطلق يعصف بالروم عصفا حتى صعدت روحه إلى الرفيق الأعلى في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وهذا حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه يترك أهله وأبناءه وداره وعقاره ويأتي بثيابه المتواضعة التي تستر جسمه الطاهر فيقاتل في أحد حتى قُتل فكان أسدَ الله في أرضه وكان سيد الشهداء في السماء ومن مراتب الجود الجود بالمال ومن قدم خيراً فإنما يقدمه لنفسه (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله) سورة البقرة110. وقال تعالى(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) سوره البقرة 261. وقال عز وجل (وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) البقرة 272 وقال عز من قائل (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) سوره المنافقون 10. وقال ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) سورة آل عمران 92. وفي الحديث القدسي الجليل أنفق / أنفق عليك رواه البخاري وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من يوم يصبح فيه العباد إلا مَلَكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفاً أخرجه البخاري ومسلم ومن الجود أيضاً الجود بالجاه والوجاهة قال تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) سورة النساء 114 . فقضاء حاجات المحتاجين ودفع الظلم عن المظلومين والسعي على مصالح الأرامل والمساكين كل ذلك له أعظم الأجر عند الله رب العالمين. ومن مراتب الجود ,الجود بالعلم قال تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) سورة البقرة 159-160. كان أبيُّ بن كعب رضي الله عنه يجلس للناس بعد كل صلاة فيقول هل من متعلم؟ هل من سائل؟. هل من مستفتٍ؟ هل من مستفسر؟ فيفيض بالعلم كالبحر الذي لا ساحل له( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) الحديد 21. والعلم دليل الإيمان والعقل عند علمائنا أساس النقل والنقل نفسه يشيد بالعقل ولا تعارض عندنا بين صحيح المنقول وصريح المعقول. يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه «من عَلِم فليعلّم ومن لم يعلَم فليسأل وينبغي أن يتوجه التعليم في أولى مهماته إلى توضيح الهدف ومن قديم قال أفلاطون إن الهدف من التعليم هو تزويد الإنسان بما يمكن من الكمال والجمال. عبد العزيز الثائب مكة المكرمة