إن َّ ما نلحظه في وقتنا الحاضر من التّشتُّت والتَّفرق الأسري من جراء الطَّلاق الذي يقطع الأواصر,ويُدَمِّرُ المجتمعاتِ سوف يترك آثاره السَّيئة على الأُّمَّة ويُشجِّعُ دوافع الجريمة وشيوع الرَّذيلة بما يؤدّي إلى تشرّذم الأبناء,وافتقادهم للرعاية السَّليمة لعدم وجود الأب وعدم قدرة الأُم على سدِّ احتياجاتهم الضَّروريَّة والصرف عليهم حتى لا يُتركوا نهباً لرفقاءِ السوء ويكونوا تُربَةً خصبةً للفساد ومكوناته . وإذا علمنا بأنَّ نسبة الطَّلاق لدينا في المملكة ربَّما تتجاوز الأربعين في المائة لوجدنا أنَّ هذه النِّسبة هي نسبةٌ عالية في دولةٍ محافظة ٍلها قيمها وعاداتها المُستقاة من التعاليم الإسلاميِّة الدَّاعية إلى بناء مجتمع صالح من خلال العلاقات الأُسريَّة,تأسيساً على روابط الزَّواج , وما يُثمر من إنجاب للأبناء وهم فلذات القلوب والأكباد لكلِّ أبٍ وأُمٍّ يحرصان على تقويمهم وترشيدهم بالخلق الكريم,والحفاظ على أن يكونوا نباتاً صالحاً يفخر بهم الوالدان , ويفخر بهم الوطن والأُمَّة في هذا العصر المُفرط في التَّفسُّخِ والتَّفرنجِ والانحلالِ بما يُبَثُّ عبر دوائر الفضائيات وأجهزة الكمبيوتر,وما يدعوا إليه أعداء الفضيلة والأخلاق بدعوات تقوم على الضَّلال يُغرى بها ضعاف النفوس,أو من افتقد الراعي والمُعيل فراح يَتَسَكَّع في دروب الضَّياع لِتَقْتَنِصهُ عيون المُحترفين للجريمة,فتصبح الخسارة على المجتمعات والأوطان فادحةً والنتائج كَارِثيَّةً إذا ما أصابت صميم الطُّفولة والشباب في الجنسين,وتحقَّ اللائمة بالدَّرجة الأولى على الوالدين وعلى العُقَلاءِ. ولابد لنا بعد هذا السَّرد من الإلماح بشيء بسيط من التوضيح عن الأسباب المؤديَّة إلى هذه العواقب عندما تغدو قِلَّة ذات اليد في الزوج إحدى الدَّوافع المسبِّبه لإنهيار الأُسرة,أو التَّسيُّب والإنحطاط الخُلقي الذي ينتهجه ربُّ الأُسرة حين يبدو أسيراً للنَّزق وارتياد مَعاقِلِ الخبائث والفُسوق وتكون همَّه وشغله الشَّاغل , ضارباً صفحاً عن أبنائه وأسرته , مُهملاً لهم , ماضياً في غيِّهِ,سادراً عن واجباته , دون وآزع من ضمير أو خوف من الله,حتى إذا عاد إلى بيته كان في حالة غير إنسانية ولا طبيعية,وإذا استفاق من غيبوته أو نومه تستفيق معه شرور النفس فلا يجد أمامه إلاَّ الزَّوجة الضَّعيفة المِسكِينَة يُكيلُ لها السِّبابَ والشَّتائمَ بسبب أو بدون سبب لأن أعصابه أتلفها المُخدر,أو المُسكر,أو أنَّه إذا تجاوز ذلك أوقعه الجهل بقيمة الزَّوجة والأبناء موقع الخطل , وتكابر في نفسه وتعاظم بقوامتِه على المرأة فلا يجد إلاَّ الامتهان والإذلال لها,وفي أكثر الأحيان يعمد إلى ضربها في غير شفقة ولا رحمة , ونسِيَ أو تناسى ما أمر به الله في مُحْكَمِ التّنزيل بالرِّفْقِ بالمرأة والإحسان إليها,ثم إذا أخذ به الحُمق واستشاط به الغضب لا يجد لديه سوى كلمة ( أنتِ طالق ) عقوبة يتَّخذها إشفاءً لِحُمْقِهِ وَغضَبِهِ وثورتِهِ فيهدم أسرته ويُشرِّد أبناءه ويصيبهم بأمراض نفسيّه تكون تأثيراتها وخيمة عليهم وعلى المجتمع الذي يُفترض أن يكونوا عاملين له ومعه , وقد امتلأوا بالحقد والبغض والألم فيتعاملون مع الآخرين تعاملاً غير سوي,وينظرون إلى الحياة بمنظار أسود نتاج ظلم والديهم لهم وإهمالهم,وكأنَّ الوالدين أو أحدهما ينتقم من المجتمع في شخص زوجته وأبنائه,ثم إذا تقادم به العمر ورأى فلذات أكباده وهم في مهاوي الضَّياع والانكسار والفاقة والعوز أو بين جدران السُّجون وقد اقترفوا ذنوباً,أصبح يقلب كفِّيه على ما فَرَّّطَ,وداهمه النَّدم ولات ساعة مَندم,ويكون قد جنىَ على زوجته التي ربَّما تكون في ريعان الشباب وجعلها حبيسة شكواها وهمومها ويأسها وأمراضها أو انحرافها ليكون سبباً مباشراً في ذلك , ومُبدِّداً لأحلام وآمال أُسرةٍ كانت تتوخَى فيه أن يُحيطها بدفء الأبوَّةِ والحنان والرِّعاية,وخصوصاً حين يتزوج الرجل بأكثر من زوجة لإظهار فحولته الموهومة, ثم يُنجب أولاداً يتركهم في مهبِّ رياح الضَّلالات تقذف بهم يُمنة ويسرة وهو غيرُ مقتدرٍ على الصَّرف على هؤلاء الزَّوجات والأبناء,مما يجعلهم يتكفَّفُونَ النَّاس طلباً للعون والمساعدة في سدِّ حاجتهم وحاجات أبنائهم. إنَّ الواقع المريِر والأليم الذي يعيشه أكثر الناس يدعوا إلى دراسة هذه الظاهرة وأبعادها السِّلبية على الوطن والأمة من قِبَلِ المسئولين المختصين في الدَّولة ومن أهل العلم والحكمة للنّظر إليها نظرة المُنتصر لهؤلاء المطلقات الضُّعفاء اللاتي استبدَّ بهن ظلم الرجل الجاهل,الذي اُنتُزِعَتْ من عقله البصيرة ومن قلبه الرَّحمة,وقد أدمى قلب امرأة وَفَتْ إليه واحبّته,وتركت أهلها من أجله لكي يكون سنداً وعونا لها على مُلِمَّاتِ الحياة ولاستمرار الفطرة في الخَلْقْ . لذلك فإن َّالآيات والسُّنَّة النبوية التي تُنظم حياة الزَّوج والزوجة والأسرة تحتاج إلى تدريس,وإلي غرس الوعي في نفوس المُقْدِمِينَ على الزَّواج بأخذ دورة تثقِيفيَّة للإعداد للزواج عن طريق أئمَّة المساجد والعلماء الأجلاء بالتَّواصي بالنساء خيراً كما جاء في القرآن والسُّنة,ومعرفة كيف كان النبَّي صلوات الله وسلامه عليه يُعامل زوجاته ويُحسن إليهن,ويُخالقهن بخلقٍ حسن . وأطلب من الآباء قبل تزويج بناتهم أن يشترطوا مؤخر صداق لا يقل عن (مائة ألف ريال) في حالة الطَّلاق , وأن يتحرُّوا عن كفاية الشاب أو الرجل الذي يُريد الزواج , وأن لا يتركوا بناتهم عُرضة للبخس,ليكون ذلك رادعاً لكل زوج مستهتر بحقوق المرأة في حالة الطّلاق . كما أنني أدعو سلطة التشريع في هذه البلاد المباركة إلى أن تتبنى مشروع قانون للأحوال الشخصيَّة مُستمدٍّ من الشريعة الإسلامية غير ملتزم بمذهب وإنَّما يتوخى ما يؤيدّه الدَّليل الصَّحيح , ويتَّفق مع الواقع , ويتضمن القانون أهم أحكام الأحوال الشخصيَّة من نكاح وتفريق فيه كالطلاق والخلعِ والفسخ وغير ذلك من أمور الحضانة والنَّفَقَة والرّضاعة والعضل ,وأنْ يُعطي النظام للمرأة الحقَّ في أن تشترط عند عقد نكاحها مؤخراً للصَّداق يُدفع لها عند تطليقها أو فسخها لا يقل عن خمسة أضعاف مُقدَّمِهِ. وأتمنى من قضاتنا الأجلاء في جميع محاكم مملكتنا الغالية , أن ينظروا إلي مشكلة الطَّلاق نظرة ملؤها الحكمة والشَّفقة على المرأة المطلَّقة, وأن لا يقفوا أمام النُّصوص دون إعمال الاجتهاد الذي يسدُّ الذرائع,ويردُ المفاسد التي تقع من جَرّاءِ تعسِّف الأزواج نحو المرأة,فكلُّ إنسان ربما يكون له بنتٌ يخشى عليها من الوقوع في ذِمَّة من لا يُقدِّرها ولا يُعطيها حقَّها ولا يُعاملها معاملة إسلامية تقوم على حفظ كرامتها وإنسانيتها كزوجة وأُمٍّ ومُربية,وإنني أُلحُّ بالطلب إلى قضاتنا الأُمناءِ على صلاح الأُمَّةِ أن يُولُوا العناية الكبيرة بقضايا الزَّواج والطَّلاق ,وان يكفلوا حقوق المرأة كاملة من المستهينين بحقها,وأن يُعيدوا النَّظر في الحضانة للأولاد ليكونوا تحت رعاية الأُمِّ حتى يبلغوا سِنَّ الزَّواج,لا تعدِّياً على النُّصوص الشَّرعية,وإنَّما أخذٌ بما فيه صالح المجتمع فضلاً عن أنه رأيُ بعض علمائنا المعاصرين الأجلاء كالشيخ محمد العثيمين رحمه الله (أُنظر الشرح المُمتع على زاد المسُتقنِعْ مجلد13 ص548) المتضمِّن (تَرجِيحَهُ بأن تكون الحضانة للأُم حتى الزواج) درءاً لما قد يُعانيه الأطفال في سن السابعة أو التاسعة من مساوئ وأضرارٍ جسميَّه ونفسيَّه نقرؤها في الصحف اليوميَّة,وما يعمد إليه بعض الآباء إرضاءً لزوجاتهم الأُخريات في إلحاق الأذى بالأبناء,ومعروف أنَّه ليس هناك من هو أحَنُ وأرحمُ بعد الله من الأُمِّ حتى ولا الجَدَّة من الأب,وإنَّ تقديم المصلحة على المفسدة من أوجب الواجبات,وهذا سوف يجعلُ الزَّوجَ المستبدَّ والمتعسِّفَ يرَجِعُ عن صَلَفِهِ وعِنادِهِ ويُفَكِّر قبل الطَّلاق ألفَ مَرَّةٍ في مصير أبنائه ومصير المرأة حين يعرف أنَّ القضاء سوف يكون حامياً لها طالما أنّها تعمل بطاعة الله وتجتنب محارمه وهدفها العيش الكريم,وهذا لا يعني أننا نفسح المجال أمام المرأة للمُكابرة والعِصيان وإتيان الباطل,ولكن هو رأيٌ لا نُريد منه إلاَّ الإصلاح, وردع نوازع الشّر التي يتعمَّدها بعض الجهلة من الأزواج ضِدَّ المرأة التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (رفقاً بالقوارير) .