مكة البلد الحرام ، أحبُّ بلاد الله إلى الله ، وأحبها إلى رسوله ، قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومأوى حَجِّهم ، ومجمع وفودهم ، وملتقى جموعهم ، حرّها الله تعظيماً وإجلالاً يوم خلق السموات والأرض ، بها الكعبة أول بيت وضع لعبادة الله على الأرض ، وللبيت العتيق جعل الله حرماً لتعظيمه ، فجعل فيه الأمان حتى شمل ما فيه من الشجر والنبات فلا يقطع ، وما فيه من الطير فلا ينفّر ، وجعل ثواب الأعمال فيه أفضل من ثوابها في غيره ، والصلاة فيه بمائة ألف صلاة ، ومن عظمة البيت أخذت مكة عظمتها ومن حرمته كانت حرمتها ومن أمانه كان أمانها. والمسجد الحرام هو الكعبة المشرفة حولها من المطاف والبناء والساحات المجهزة للصلاة، ويشمل جميع التوسعات التي تمت على مر التاريخ، ويقع بمكة في قلب وادي إبراهيم عليه السلام، ويرتفع نحو 277 مترا فوق سطح البحر. ومن أسمائه البيت .. البيت العتيق .. البيت الحرام .. البيت المعمور .. الحرم .. الحرم المكي .. الكعبة.. وغيرها وهو أول بناء بني لعبادة الله وتوحيده، قال تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين) (آل عمران:96)، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل، فهو مسجد ) متفق عليه. ومنذ أن بنى الخليل عليه السلام الكعبة المشرفة، ونادى في الخلق بالحج إليها، وهي محل تعظيم وإجلال واهتمام، وقد اعتنى بها سكان مكةالمكرمة بل وغير سكانها فكسوا الكعبة ورمموا بناءها، ولما جاء الإسلام زادها الله تعظيما وتشريفا، وقد بلغت مساحة المسجد الحرام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم 1490مترا مربعا، وبقي المسجد على حاله في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وفي عهد الخليفة عمر رضي الله عنه، جاء سيل عارم اقتلع مقام إبراهيم عليه السلام، وتضرّر بناء المسجد، فوسّعه وزاد في بنائه، وجعل له أبوابا، واتخذ للمسجد مصابيح. وجاءت التوسعة التالية في عهد الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنه، حيث قام بشراء بعض الدور المجاورة للمسجد، فهدمها ليوسّع من مساحة المسجد، وصنع رواقا يستظل به المسلمون، وهذا هو أوّل رواق يبنى في المسجد. ولما جاء عهد ابن الزبير رضي الله عنه قام بإعادة بناء الكعبة بعد أن تصدّعت بفعل رميها بالمنجنيق واحترقت، فأعاد بناءها، وزاد فيها ما قصرت عنه نفقة قريش - وكان حوالي ستة أذرع -، ورفع الكعبة عشرة أذرع، وجعل لها بابين ليدخل الناس من باب ويخرجون من الآخر ، فكانت على الوصف النبوي، إلا أن الحجاج بن يوسف الثقفي أعاد البناء على ما كان عليه من قبل - إذ ظن أن فعل ابن الزبير باجتهاد منه -، فأخرج الحجر، وجعل للكعبة بابا واحدا، ثم استمرت العناية بالمسجد في عهد عبدالملك بن مروان وغيره من الأمويّين، وصار للكعبة خدم وعبيد يوقفون لخدمة البيت الحرام. ثم قام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ، بتوسعة المسجد، وتغطية أرضه بالرخام، وبنى حاجزا على ماء زمزم يمنع الناس من السقوط فيه، وأضاف رواقا آخر للمسجد. وفي عهد الخليفة المهدي وسع المسجد توسعة كبيرة، وأزيلت البيوت بين المسجد والمسعى فاتصل المسجد بالمسعى، واستغرقت هذه التوسعة أربع سنوات. ثم جاء الخليفة هارون الرشيد فأنشأ مظلة للمبلّغين فوق سطح المسجد، وزاد الواثق أعمدة من نحاس عليها سرج تضيء للطائفين. ثم جاءت التوسعة الأخيرة في عهد الحكومة السعودية عام 1409ه/1988م، حتى بلغت مساحته ما يُقدّر ب 256850م2، ليستوعب بذلك أكثر من مليون مصلي دفعة واحدة. أما فضله، فهو أعظم المساجد على الإطلاق، وهو قبلة المسلمين، ورمز وحدتهم وقوتهم، اختار الله له خير أرضه، وأمر خليله إبراهيم عليه السلام أن يبنيه عليها، وجعل زيارته والطواف به من أعظم العبادات وأجلها، وجعل له حرمة في النفوس، وهيبة في القلوب، فانجذبت إليه الأرواح، وأنست به النفوس، فله في قلب كل مسلم المنزلة الأسمى والمقام الأعلى. والصلاة في المسجد الحرام خصها الله بفضيلة ليست في غيره من المساجد، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه).