|| الإذعان والانقياد .. الهمة العالية للدعاء .. الهدوء والسكينة .. الصبر وتحمل المشاق. || التاسع من شهر ذي الحجة الحرام حدث جللٌ وعظيم ، هو يوم عرفة أفضل يوم في السنة تشرق شمسه ، يجتمع الحجيج على صعيد عرفات ، لقد فَاضَلَ الله بين الليالي والأيام، والشهور والأعوام، كما فَاضَلَ بين البِقاع والبلدان ، وجعلها محط الآجال ، ومقادير الأعمال ، فجمع لعرفة فضلي الزمان والمكان ، فيوم عرفة أحد أيام الأشهر الحُرم (إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عند الله إثنا عَشَرَ شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حُرُمٌ) (سورة التوبة: 39) . ويوم عرفه من أيام ذي الحجة (الحج أشهر معلومات) (سورة البقرة: 197). ومن المضامين التربوية ليوم عرفة الإذعان والاعتقاد الجازم بأنه يوم مباهاة الله بأهل عرفة ، أهل السماء قال صلى الله عليه وسلم (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء) (أحمد 6/95) . كما يذعن المؤمن عقدياً وتربوياً أن يوم عرفة يومٌ أكمل الله فيه الملة وأتم به النعمة، قال عمر رضي الله عنه (إن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (سورة المائدة:3). قال عمر رضي الله عنه ( قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة) (البخاري 1/26) . والاعتقاد بأن فضل صومه خاص لا كغيره من الصيام قال صلى الله عليه وسلم (صوم عاشوراء يكفر السنة الماضية وصوم عرفة يكفر السنتين الماضية والمستقبلة) (البيهقي 2/150) . وهذا لغير الحاج وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف ، لقوله صلى الله عليه وسلم (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام ) (أبو داود 2/45). ومن المضامين التربوية المستقاة من يوم عرفة الهمة العالية للدعاء وتعظيم أدب الدعاء يوم عرفة في عمق النفس والثقة في رحمة الله باستجابته وبالتجاوز والقبول من الله لقوله صلى الله عليه وسلم (خير الدعاء دعاء يوم عرفة) (الترمذي5/572) . واليقين الجازم بكثرة العتق من النار في يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة) (مسلم2/54) . ومن السلوك الحميد أن يدعو الحاج لعامة إخوانه المسلمين مؤكداً بذلك الأخوة الإسلامية محققاً مقاصد التربية الإسلامية. ففي الأيام الفاضلة، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، فهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران. ويوم كهذا حري بنا أن ندعو فيه لوالدينا، ولولاة أمرنا ،وشيوخنا ، وأقاربنا ، ونعنى بصلة الرحم ونخص بالدعاء الشباب والشابات، بإكمال الدين وإتمام النعمة والحفظ والصيانة والنجاح والفلاح . ومن المضامين التربوية المستقاة من يوم عرفة السكينة والوقار والهدوء . عن أسامة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه حين أفاض من عرفة فأفاض بالسكينة وقال أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل قال فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمع ، ثم أردف الفضلَ رضي الله عنه فأمر الناس بالسكينة وأفاض وعليه السكينة وقال ليس البر بإيجاف الخيل والإبل فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى منى) (ابن خزيمة 4/265) أي ليس بالإسراع والتهور في قيادة السيارات والمخاشنة والغلظة والتنافر والخصومة في الطرق. ومن المضامين التربوية المستقاة من يوم عرفة ، الصبر وتحمل المشاق ، فهي من الأسس الفكرية والتربوية أن الصدق والصبر والثبات عدة المظلومين ، لتحقيق ذلك التواصل التربوي بين ضيوف الرحمن ولتوطيد صلة الأخوة الإسلامية بين الفقراء بالأغنياء ، فيوم عرفة فرصة للارتقاء بنفسية الحج روحانياً؛ فلله في هذه الأيام نفحات؛ حيث تكون النفوس مهيأة للتقرب إلى الله ، إنها فرصة ذهبية لا تتاح في غيرها من الأيام؛ فلنغتنم هذه الفرصة لتطويع نفوسنا على المواظبة على آداب وسلوك التربية الإسلامية. وهناك للأسف انفصال تام بين أداء الحج كعبادة، وبين السلوكيات والأخلاق ، فبعض الحجاج يؤدون المناسك دون أن يدروا الحكمة من الحج، فنراهم يغضبون لأتفه الأسباب ويؤثرون أنفسهم على غيرهم، ويؤدون المناسك بأسلوب ليس فيه مراعاة للغير، فيتسابقون ويتزاحمون على الرجم وزمزم والحجر الأسود، والصلاة في الروضة، ويتشاجرون في السكن من أجل أمور تافهة، ويختلفون في الأحكام الشرعية، ويسفه بعضهم البعض، إذن هناك محاذير كثيرة، تردع الحجاج أن يقعوا في مهاوي الظلم والاعتداء على بعضهم بغير حق، ومن يقع عليه الظلم من أخيه الحاج فليس أمامه إلا المسامحة والصفح على طريقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهديه ، ووفق منهج التربية الإسلامية الاعتدال والوسطية والنهوض بالإصلاح في واقع آداب وسلوكيات الحج وبخاصة يوم عرفة ليعم الخير ويسود العدل وتنتشر الفضيلة .. أقول من يقع عليه الظلم وهو على هذا النحو من الخير؛ فإنه يلزمه قبل كل شيء أن يُخلص النية لله تعالى، ويجرِّد نفسه من الهوى أو المصلحة الذاتية؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً تاماً لوجهه، ولا يجب أن تتعلَّق نفسه بحظوظ الدنيا وأهوائها والانتصار لها فهو في خلاصة أمره حاج قدم لغسل ذنوبه ويرجع كيوم ولدته أمه نقياً من الذنوب في رصيد عالٍ من الحسنات . فلا بد من عقد العزم وتحرير القصد لتكون الحجة صحيحة وسالمة مما يخدش آدابها التربوية. لمسة وفاء إلى قيادتنا الحكيمة .. إلى كل القاطنين ، والعاملين لخدمة ضيوف الرحمن في المدينتين المقدستين ، والمشاعر المقدسة ، وعلى الطرق المؤدية إليها .. ومنها ، وإلى الرجال البواسل على حدود ثغور بلادنا .. من مدنيين وعسكريين .. تحية احترام وتقدير نقدمها لهم .. داعين الله أن يجعله حجاً مبروراً .. سالماً .. آمناً .. وأن يجعل ما يقومون به في موازين حسناتهم .. وكل عام وأنتم بخير.. والله من وراء القصد وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،