إن الله - عز وجل - خص المملكة العربية السعودية بخصائص عديدة ، وميزها بميزات فريدة ، لا توجد في غيرها: فمنها أن فيها أول بيت وضعه الله في الأرض لعبادته ، كما قال تعالي: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً) ، وهو قبلة المسلمين التي يتجهون اليها في صلواتهم اينما كانوا على وجه البسيطة . كما قال تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) ، وهو مهوى أفئدة المسلمين ، ومثابتهم كما قال تعالى: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) ، وقال تعالى: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم) ، واليه يحج المسلمون من جميع أنحاء الدنيا لأداء فريضة الحج استجابة لنداء إبراهيم عليه السلام (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم) ، وأوجب الله تعالى على كل من تولى أمر هذا البيت العظيم أن يعتني به ، وينظفه ، ويطهره ، ويهيئه ، وأن يحتفي بحجاجه الذين هم ضيوف الرحمن ، ويهتم بهم ، ويخدمهم ، حتى يؤدوا مناسكهم . ويقوموا بشعائرهم على الوجه الذي يرضي الله تعالى ويقربهم من الله زلفى ، كما قال تعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود). وقد شهدت خدمة بيت الله العتيق ، وتطوير المشاعر المقدسة ، والعناية والاهتمام بالحجاج وضيوف الرحمن ، شهدت تطوراً عظيماً ، وتقدماً كبيراً منذ أن مكن الله للأئمة من آل سعود ، وولاهم سدانة بيت الله الحرام ، وشرفهم بتوحيد شبه الجزيرة العربية على يد الملك المجاهد عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - تغمده الله بواسع رحمته - الذي وضع قواعد الدولة ، وأرسى أسس الملك ، وكان من أولى أولوياته ، وفي مقدمة اهتماماته خدمة الحرمين الشريفين ، والعناية بالبيت العتيق ، وتطوير المشاعر المقدسة ، والاهتمام بضيوف الرحمن من حجاج ، ومعتمرين ، وزوار ، وعلى ذات المنهج ، وعين الطريق ، سار أبناؤه البررة من بعد الملك سعود ، والملك فيصل ، والملك خالد والملك فهد - رحمهم الله أجمعين - إلى أن وصلت الأمانة إلى يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - فكانت شؤون الحرمين الشريفين ، وأمور المشاعر المقدسة وضيوف الرحمن شغله الشاغل ، وهمه الهائل ، وتفكيره الدائم ، فاتجهت همته السامية ، وعزيمته الماضية إلى التطوير ، والتشييد البناء دون توقف أو ملل ، وتذليل كل الصعاب والعقبات ، مهما كلف ذلك من جهد ومال ، فأصبحت الأعمال قائمة على قدم وساق في الحرمين والمشاعر ، وفي كل ما يتصل بخدمة الحجاج ، لا تتوقف على مدار العام ، ولا تتوانى في ساعة من ليل أو نهار ، ومن ذلك التوسعة العظيمة للمسجد الحرام ، والمسعى ، والتطوير الهائل الذي أذهل العالم ، والذي تشهده منى وجسر الجمرات ، ناهيك عن البنية التحتية ، من الطرق ، والجسور ، والانفاق ، والقطارات ، وتوسيع المطارات ، وغير ذلك مما كلف الدولة عشرات المليارات ، حتى اصبح الحاج يؤدي مناسكه في يسر وسهولة لم يكن يتخيلهما أحد من قبل. ومن أهم قطاعات الدولة التي تشارك في خدمة حجاج بيت الله الحرام ، وانجاح موسم الحج: وزارة الشؤون الإسلامية التي تبذل جهوداً متواصلة في هذا الشأن ، سواء في اعداد المواقيت ، وصيانتها ، ونظافتها ، وفي توعية الحجاج ، وتبصيرهم بأمور دينهم ، وارشادهم إلى صحة المعتقد ، وبيان مناسك الحج وتوضيحها لهم حتى يؤدوا حجهم على الوجه الشرعي الصحيح ، وتوفير اعداد هائلة من الدعاة وطلبة العلم ، ليتولوا الاجابة عن كل ما يشكل عن الحجاج من أمور الدين بعامة وبأمور الحج بخاصة. ومن سياسة المملكة الحكيمة في خدمة حجاج بيت الله الحرام العناية بالأمور المستجدة ، والنوازل الطارئة ، والتعامل معها بحكمة ، ومعالجتها بالطرق العلمية ، ومن ذلك ما حل بالعالم كله من انتشار وباء أنفلونزا الخنازير ، ففي الوقت الذي كانت فيه كل دولة من دول العالم تفكر في كيفية التعامل معه على نطاق محدود كانت المملكة العربية السعودية تفكر وتخطط لكيفية المحافظة على صحة أكثر من ثلاثة ملايين حاج سيفدون إلى المشاعر المقدسة ، ويجتمعون في مكان محدود ، ووقت واحد ، وتدرس سبل حمايتهم - بإذن الله - من هذا الوباء ، حتى يرجع ضيوف الرحمن إلى بيوتهم سالمين غانمين مغفورة ذنوبهم إن شاء الله - فتحركت وزارة الصحة التي وفرت لها الدولة الدعم المطلق ، وسخرت كل امكاناتها ، وأجرت البحوث والدراسات على المستوى العربي ، والإسلامي ، والعالمي وأعدت العدة ، وأنجزت الخطط ، للتعامل مع هذا الوضع الطارئ ، ومعالجة هذا الموقف النازل على الوجه الذي نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يكون على مستوى الحدث ، وأن يكلل كل الجهود والأعمال بالتوفيق والنجاح ، وأن يعين حكومة خادم الحرمين الشريفين ، وسمو ولي عهده الأمين ، وسمو النائب الثاني - حفظهم الله ورعاهم - على أن يؤدوا هذه الأمانة العظيمة على الوجه الذي يرضي الله - تعالى - وأن يحفظ ضيوف الرحمن من كل سوء ومكروه ، وأن يعيدهم إلى أوطانهم سالمين غانمين. وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد للشؤون الإدارية والفنية