بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقد شهد لك الله - عز وجل - من فوق سبع سموات بأنك على خلق عظيم، ومن هنا فإننا نحس ونحن نتتبع مسيرته صلى الله عليه وسلم في الحج كيف أنه كان مثالاً للرحمة وهو يعلّم أصحابه الطواف ثم السعي، وكيف كان يأخذ بأيديهم الى كل خير، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أتم الطواف، وصلى الركعتين وشرب من ماء زمزم عمد إلى السعي حيث ذهب إلى الصفا، وهو جبيل صغير قريب من البيت إلى الجنوب الشرقي منه، وهو الذي سعت السيدة هاجر بينه وبين الصفا حين اشتد بها وبابنها الكرب، ورأت إسماعيل يتلبط من العطش، فسعى سعي الحج سبعة أشواط بين الصفا والمروة، فبدأ بالصفا وقال : أبدأ بما بدأ به الله، فوقف على الصفا ونظر إلى البيت وقال : بسم الله الله أكبر، وتلا قول الله تعالى « إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيم « ٌ، ثم كبر الله ثلاثا، وأثنى عليه ووحده فقال : لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم هبط ساعيا إلى المروة. هكذا يعلمنا - صلى الله عليه وسلم - الأدب مع الله عز وجل، ثم رقى - صلى الله عليه وسلم - واستقبل القبلة ودعا الله بما شاء، ليعلم الناس المواطن التي يكون فيها الدعاء أرجى للإجابة، وأفضل ما سئل الله في هذه المواطن العفو والعافية، وقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم صلى على رسول الله، وهذا أيضا من كمال أدبه - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان الله تعالى يصلي عليه فمن الواجب عليه أن يمتثل أمر ربه، ويظهر أنه محتاج إلى هذا الفضل من الله – عز وجل، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وفي هذا أيضا تربية لنا وتعليم: « لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة». ثم انحدر - صلى الله عليه وسلم - نحو المروة مشتغلا بالذكر والدعاء حتى إذا وصل إلى بطن المسيل وذلك بين العمودين الأخضرين خب، والخبب فوق الرمل، والرمل كما رأيت في الطواف فوق المشي ودون الجري، إلا أن الخبب أشد من الرمل، فإذا وصل إلى العمود الأخضر الثاني ترك الخبب، وهكذا في كل الأشواط السبعة. ولما وصل صلى الله عليه وسلم المروة (وكان ذلك تتمة الشوط الأول) رقى عليها حتى نظر إلى البيت العتيق، وفعل مثلما فعل على الصفا، ثم انحدر إلى الصفا حتى أكمل الأشواط السبعة، مبتدئا بالصفا ومنتهيا إلى المروة، وبذلك كانت له - صلى الله عليه وسلم - أربع وقفات على الصفا وأربع على المروة، مختتما بها السعي بين الصفا والمروة، وهنا لابد من وقفة عند قوله تعالى: «إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما» أي لا إثم عليه، أن يطوف بينهما سبعة أشواط، فإن كثيرا من الناس يتوقفون عند قوله تعالى « فلا جناح » من هذه الآية الشريفة، والذي عليه إجماع الأمة أنها نزلت لما كره المسلمون السعي بين الصفا والمروة لأن الناس في الجاهلية كانوا يطوفون بينهما، وعليهما صنمان يمسحونهما، فأعلمهم الله تعالى أنه لا حرج، وأن لابد من السعي بينهما على الرغم من ذلك، وهذا كما يقول العلماء لا ينافي فرضيتهما، فإن السعي بينهما ركن من أركان الحج لا يجبر بالدم، وتركه مبطل للحج، وكان الحرج في ذلك الوقت رغم أن الأصنام قد أزيلت، وهكذا علمهم الله عز وجل.