حظيت مكةالمكرمة بلد الله الحرام عبر تاريخها الطويل والمجيد باهتمام بالغ من لدن العلماء العاملين والرحالة القادمين والدعاة المخلصين وطلبة العلم الجادين , فرصدوا حركتها العلمية وانطلاقتها الفكرية ودعوتها الوسطية ، فكتبوا في فضلها وتاريخها وأعلامها ومعالمها وتطورها ،وغير ذلك مما يتعلق بها تاريخا ومكانة وزمانا. ورغم كل هذا الإشعاع العلمي المضيء الذي انتشر نحو العالم شرقاً وغرباً بحركات علمائها الأفذاذ لنشر أنوار الإسلام واشراقات النبوة ووهج الحضارة بقيت رسالة مكةالمكرمة قائمة ما بقي الإسلام ولعل الحج والعمرة والزيارة من أكبر عوامل الدعوة إلى الله فكراً وخلقاً وتسامحاً. فحلقات العلم بالمسجد الحرام تنتشر في كل مكان كأنها خلية نحل مدوية هنا دروس القرآن والتفسير والحديث والمصطلح والأصول واللغة والمنطق والاجتماع والرياضيات والخطابة وكل الفنون والعلوم التي تدعو إلى سبيل الله وهدي رسوله الكريم على أيدي علماء كبار من علماء البلد الحرام والوافدين عليه من خلال رحلة طلب العلم والتعلم والإفادة والاستفادة. فانبثقت من هذه المجالس والحلقات , الدعوات التوعوية والرحلات المباركة لنشر الإسلام في الشرق والغرب بحسن الخطاب وروعة العبارة وصدق التوجه وقوة الحجة ومنطق العبارة وسلامة المنهج والدعوة إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة والقدوة الحسنة. وقد استفادوا من خلال دعواتهم ورحلاتهم منها واليها على الكثير والكثير من ثقافات الشعوب التي تزخر بها من مجاورين وطلاب علم فاطلعوا على آراء متنوعة لكل المذاهب الإسلامية وغيرها وجمعوا المخطوطات وحققوها ونشروها وتقابلوا مع رجال العلم والأدب والفكر والثقافة واعيان المجتمع وطلبة العلم والعوام فأثروا وتأثروا وكتبوا الفوائد وأسسوا المدارس وحلقات العلم بتسامح وقبول جعل فكرهم النيّر يتغلغل في النفوس فكانوا نواة لمشاريع الخير التي خدمت الإسلام في كل اتجاه. ولعل من أهم وسائل الدعوة إلى الله هو استغلال المناسبات الدينية في إيقاظ الهمم وشد العزائم نحو الدعوة إلى الله على بصيرة , وأعظم مناسبة ولازالت هي أيام الحج المباركة , إذ كانت تعقد حلقات العلم سواء بالمسجد الحرام أو بيوت العلماء أو الوجهاء وفي مقارات المطوفين العاملين , فيحققوا الفائدة العظمى من الحج وهو التقابل وإشهاد المنافع وتبادل الآراء وتلا قح الأفكار والاطلاع على ما لدى الآخرين من علوم ومعارف ولعل كتب الرحالة أكبر دليل لرسم الصورة النموذجية لتبادل المعرفة والعلم بين الجميع. فالحج وتأثير المسجد الحرام وكثرة العلماء والمحدثين والفقهاء والأدباء وكثرة طلبة العلم والهمة والعزيمة والرحلة في طلب العلم والتسامح وسعة الأفق وتعدد المدارس الفكرية والثقافية والمذاهب الإسلامية وغير ذلك من وسائل ساهم في نشر الإسلام بين الشعوب دون خوف منه أو وجل. فمعطيات الدعوة إلى الله ومخرجاتها أثمرت بجهود هولاء الأفذاذ , فأينما ترحل شرقاً أم غرباً ستجد بصماتهم الدعوية ونشاطاتهم الإسلامية الواعية ومدارسهم النظامية وأفكارهم النيّرة المتسامحة لا عنف في عباراتهم ولا تهجم في خطابهم ولا إثارة لمذاهبهم ولا طائفية في سلوكهم ولا حزبية في تجمعهم ولا تنطع في عبادتهم ولا غلو في فكرهم بل تسامح وقبول ودعوة بهدوء ومجادلة بإحسان وحوار بمنطق ومنهج بإيمان وصدق بإخلاص لانهم جيرة الحرم وأهله وحماة الدين ونبعه ومسقط الإسلام ونوره.