ليس هناك خلاف حول أننا نعيش عصر تحرير التجارة الدولية من الحواجز والقيود الزمانية والمكانية، والتي أدت إلى زيادة معدلات الصادرات ، والاستيراد ومعدلات الاستثمار فيما بين الدول ، وأصبحت في الواقع تملأ الدنيا وتشغل التجار وتجذب المستهلكين. لذلك نرى أن اتفاقيات (الجات) ترمي لتوسيع السوق العالمية وحريتها الكاملة عبر الحدود الزمانية والمكانية مع التوجه نحو تقليص الضمانات السيادية للدول لتحقيق الاختراق لاقتصاداتها وهو ما حوّل بالفعل الوضع في الأسواق المحلية للدول إلى ما يشبه مباراة شرسة للمصارعة الحرة غير متكافئة الأطراف. وفي هذا الاطار رسمت منظمة التجارة العالمية قيماً عالية وآليات تتشكل يُشرف عليها جهاز تسوية المنازعات التجارية الدولية لارجاء التجار ورجال الأعمال والمؤسسات التجارية لاستخدامها في علاقاتها التجارية التصديرية والاستيرادية والاستثمارية للتقليل من الآثار السلبية للمباراة الشرسة غير المتكافئة بين الدول. وتتناول الآليات الدولية في شكلها العام وطبقاً لاتفاقية (الجات) وينفذها جهاز تسوية المنازعات التجارية لمنظمة التجارة العالمية من خلال الخطوات التالية: 1- الإطار العام للقواعد والإجراءات الحاكمة لتسويق المنازعات من خلال الأحكام العامة لتحديد النطاق والتطبيق والادارة ، المشاورات والمساعي الحميدة والتوفيق والوساطة ، انشاء فرق التحكيم واختصاصاتها وتكوينها ووظائفها وإجراءاتها. وفي ضوء ذلك فإن جهاز تسوية المنازعات التجارية الدولية يقوم باتخاذ التدابير لتسوية المنازعات التجارية بين الدول وجبر البلدان على الامتثال لمجموعة واحدة من الأحكام التي تحافظ على حقوق الأعضاء والتزاماتهم وفق القواعد المعتادة في تفسير القانون الدولي العام. ولتحقيق ذلك فإنه من الضروري القيام بإجراءات تسوية المنازعات التجارية الدولية من خلال ثلاثة مطالب: أولاً: المشاورات وتهدف إلى تبادل الرؤى بين دولتين متنازعتين بقصد الوصول إلى تسوية النزاع القائم بينهما. ثانيا: المساعي الحميدة والتوفيق والوساطة وجميعها من الوسائل المعترف بها دولياً لتسوية المنازعات. ثالثاً: التحكيم الذي تعارف عليه فقهاء القانون الدولي العام وهو أن التحكيم هو أحد الطرق القضائية لحل الخلافات الدولية، ويعتمد في وجوده وفي تشكيل الهيئة التي تفصل في الخصومة على ارادة أطراف تلك الخصومة وهم أشخاص القانون الدولي العام. رابعاً: اجراءات استئناف تقارير فريق التحكيم حيث يتم الاستئناف لتقارير فريق التحكيم على مرحلتين من مراحل التقاضي خلافا لما يجري عليه العمل في القضاء والقانون الدوليين بشأن نهاية أحكام هيئات التحكيم بعدم قابليتها للطعن من قبل الخصوم إلا في حدود ضيقة، ولا يعني التمسك بالاستئناف التشكيك في الخبرات الفنية والقضائية لأعضاء فريق التحكيم ، والتقليل من شأن أحكامها لأن معايير تشكيلها تضفي عليها طابعاً قضائياً يتسم بالهيبة والوقار.