قبل أن أسطر أحرفي وأدون بالحبر كلماتي تذكرت ظل شجرة كانت بالأمس تحمل على أفرعها أغصانا متعددة وبينها غصن يظللني بحنانه ويطعمني بحلاوة كلماته منذ أن مسكت أناملي قلماً ليسطر أولى كلماتي عبر صفحة (عزيزي المحرر) بالعزيزة إلى القلب (الندوة) قبل أن أدخل ميدان الصحافة اليومية هاوياً فمحترفاً . لكن ذلك الغصن الذي حماني من عواصف متعددة وحمل اسم (شاكر يحيى خياط) تساقطت أوائل الأسبوع الحالي أوراقه وجفت ثماره وتوقف نموه في رحلة انتقال أقلعت من دار الفناء إلى دار البقاء. تذكرت ذلك الغصن مع نبأ حزين جاء إلى مسمعي فتذكرت معه الكثير من المواقف الأسرية والتعليمية يوم كنت طفلاً الهو وألعب فشاباً يافعاً يحاول أن يكون ذا شخصية مستقلة. وازداد إعجابي وتقديري له بعد أن قرأت الكثير مما كان يكتبه بزاويته الأسبوعية (أفكار للدراسة) بجريدة (الندوة) فلم يكن قلمه يحمل من كلمات التزلف والتقرب لهذا أو ذاك شيئاً إذ كان رحمه الله صاحب قلم صادق عفيف في كلماته كعفة لسانه صلب في مواقفه لا يتراجع إلا إذا أدرك أنه على خطأ والآخرون على صواب . وان كان هناك قراء يتذكرونه فإن زملاء دربه الذين جاءوا معزين في وفاته بجريدتي (الندوة البلاد) لازالوا يذكرونه ويذكرون كلماته ومواقفه. ويوم دخلت إلى أروقة (الندوة) هاوياً عبر كلمات قارئ ومن ثم متفرغاً كمحرر بالشئون المحلية كنت أرى شفاهه تحدثني بكلمات لا تحمل مجاملة بقدر ما تحمل نصحاً وتشجيعاً مقروناً بتأنيب عند الخطأ . عاصر الحياة بحلاوتها يوم كان موظفاً بإدارة التربية والتعليم وكاتباً صحفياً وعاصرها بمرارتها بعد إحالته للتقاعد وتركه للكتابة الصحفية فلم يسمع رنة هاتف ولا طرقة باب من صديق كان بالأمس قريباً إلا نادراً ولم تدمع عينه على مرضه أو تنهار نفسيته لابتعاد من كانوا بالأمس قريبين منه لكنه ظل صلباً قوياً حتى آخر لحظة في حياته. وحينما زرته خلال عيد الفطر المبارك مهنئاً لم أسمع منه كلمة تحمل في معانيها الأنا طالباً مني الكتابة عن حالته الصحية وتدهورها لكنه تحدث معي حول معاناة المذيع جميل سمان وقال رحمه الله ( قرأت ما كتبته عن المذيع جميل سمان فجزاك الله خيراً) وقتها زاد في قلبي مكانة ورفعة فأين نجد مثله اليوم؟. هكذا عرفت شاكر يحيى خياط خالي وشقيق والدتي ومعلمي وأستاذي إنساناً عفيف القلب واللسان واليد ومن أجل هذا وذاك عاش عفيفاً فلم يصله من عطايا المديح شيء. فقد كان يرى أن ما يتركه الأدباء والمفكرون من حبر الأقلام يعبر عن إحساس بمعاناة صادقة أو فرحة ملموسة لكنه غير قادر على سرد كلمات المديح والثناء لأشخاص لا يحملون منها ما يشفع لذكرهم بها. وكان رحمه الله يقول إن الإنسان الذي يقف على مشارف الدنيا طفلاً فشاباً فرجلاً ثم كهلاً يعيش مراحل حياته السنية في معاناة دائمة والشجاع هو من يتجاوزها بقوة الإرادة فلا يستسلم لقهر السنين ولا يندم لعمل خير قدمه. وقد تأتي الرياح فتنقله بين عواصف رملية ذات درجة حرارة مرتفعة وقد يحدث العكس فتنقله نحو العواصف الثلجية ولا يمكن للضعيف المستسلم التغلب عليها . ورغم ما حملته الأيام من عواصف مفرحة وأخرى محزنة لصاحب القلم الصلب وكاتب زاوية (أفكار للدراسة) بجريدة (الندوة) شاكر يحيى خياط إلا أنه كان ذا قوة فذة فلم يستسلم لها فعاش مبتسماً ومات مبتسماً. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته.