إن ثقافة العمل التطوعي وترسيخه في المجتمع ضمن ما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني مبدأ إيجابي في بناء شخصية الإنسان الاجتماعية فهو وان ظل غائباً لمدة طويلة من حياة الناس ليس كمفهوم نظري وإنما كعمل ميداني فانه أصبح من الضروري الآن الدعوة إلى إحياء العمل الجماعي التطوعي والتذكير به في جميع الاتجاهات والرجوع إليه ميدانيا وعمليا لما له من أهمية في إعادة بناء المجتمع القوى القادر على مواجهة التحديات والصمود والقادر على صنع قراره بنفسه وتحرير إرادته من التبعية والتقليد الأعمى. ومما لاشك فيه أن إهمال هذا الجانب التطوعي من واقعنا ومشهدنا المحلي فيما ما مضى كان واحداً من أكثر العوامل التي أثرت سلباً على سير العمل التنموي بسبب تقاعس بعضنا عن الترابط والصبر والمصابرة ومساعدة الآخرين والحس الوطني بهموم من حولنا لاعتقادنا أن هذه من مسئوليات الدولة. فالعمل التطوعي وسيلة اجتماعية رائعة وثقافة جمعية متطورة يسعى من خلالها القائمون عليه والداعون له إلى تحقيق الترابط الاجتماعي والشعور الجماعي من حاجة الجميع إلى التواجد والحضور المميز لما يخدم تطلعات الشباب نحو مستقبلهم المشرق . فيجب استلهام قيم ومبادئ العمل التطوعي من جميع الأقطار العالمية والمجتمعات الإنسانية حتى ينشأ جيل مشبع بروح العمل الجماعي والعمل التطوعي ليصبح جزءاً من حياته وفكره ، نحتاج جيلاً يملأ الفراغ في كل المجالات ثقافياً واجتماعيا وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً وصحيا حتى نحدث تغييراً إيجابياً في مراكزنا ومعاهدنا على مستوى الحكومات أو المؤسسات أو الأهالي والأسر بل حتى الأفراد وبذلك تتحول حياتنا إلى مراكز إشعاع تعمق روح الاعتزاز بالوطن وخدمة المجتمع وفق مقتضيات المرحلة التي نعيشها. وقد أبدع وأجاد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد حين اختار لخطبة عيد الفطر وخلاف المألوف موضوع العمل التطوعي والعمل الخيري وأثرهما في المجتمع ولعلها بادرة نوعية بمعنى الكلمة حينما تنطلق من مكةالمكرمة محط الأنظار ومن خطبة العيد الدعوة للأعمال التطوعية والعمل الخيري فقد قال فضيلته : (إن العمل التطوعي هو سد حاجات وتخفيف معاناة ومشاركة هموم ليس مقصورا على الإحداث والنوازل والكوارث والطوارئ بل يتعدد ويتجدد حسب الحاجات والمستجدات والمتغيرات .. العمل التطوعي يهذب النفس ويقي من الشح ويغرس الحب في نفس المتطوع وينزع عنه النظرة السلبية وتقوى عنده الآمال والتفاؤل ويتجنب اليأس والإحباط ويحد من النزعة المادية وتمتلئ فيه النفس بالرضا وحسن الاتصال بالله جل وعلا .. العمل التطوعي في ظل القطاع الخيري نظام شامل يعبر عن مسؤولية كل فرد في المجتمع تجاه إخوانه في مختلف مناشط الحياة ومجالاتها المادية والمعنوية والنفسية .. انه صورة من صور التعاطف البشري والتكامل الإنساني .. العمل التطوعي المنظم يسهم في نشر الأمن الاجتماعي بل انه يمتد ليوظف لنشر الأمن الفكري وتوحيد الأمة في أطيافها ذلكم أن الانخراط في العمل التطوعي يبعث في النفس الرضا والانتماء ويسهم في تجاوز كثير من أمراض العصر من الاكتئاب والشعور بالعزلة والضغوط الاجتماعية والنفسية). وقال أيضا: ( إن عمل الخير والتطوع في ديننا اظهر من أن تحشد الأدلة من اجل إثباته والتدليل عليه ويكفي أن يلحظ الملاحظ أن حضارتنا الإسلامية قامت بسواعد جهود المسلمين والعمل الشعبي بلغة العصر حضارة باعثها الإيمان والبر والتقوى وابتغاء رضوان الله وفضله ونفع الناس ومع هذا فتأملوا هذه العقود من آيات الذكر الحكيم ومن مشكاة النبوة المحمدية في سعة هذا العمل وفضله والحث عليه والمنافسة فيه .. وانه مع وضوح ذلك وجلائه فلابد من إيجاد خطة في كل دولة للعمل الخيري والتطوعي تنظم العمل وترتب العلاقة بين القطاعات جميعا عامها وخاصها .. ثم لا ينكر دور الإعلام في نشر ثقافة التطوع والوعي الخيري واعتماد المصداقية والوضوح والإقناع ثم انه أي جهد يبذل للنفع العام في الإخلاص هو في سبيل الله وفي المقابل فان الوقوف ضد ذلك هو من الصد عن سبيل الله) . فالعمل التطوعي أصبح ظاهرة عالمية تتسابق الأمم إليه لأنهم يواجهون أنماطا متشابهة من المصاعب والتحديات ويبقى الاختلاف بينهم فقط في المنظومة والرعاية والعناية والقوة ووسائل الضغط والرأي العام والإمكانيات المتاحة ووجود مؤسسات المجتمع المدني ترعى ذلك وتهتم بمدخلاته ومخرجاته. لذلك بدأ الكثير من أبناء المجتمع(ذكورا وإناثا) يعي مخاطر المرحلة التي نعيشها فبدأ في التحرك في إنشاء الجمعيات والنوادي والمنتديات والمجموعات التي تهتم بكل أطياف العمل الجماعي التطوعي وبنظرة فاحصة وسريعة على الفيس بوك أو من واقع الاحتكاك الدائم بهم (وسبق وان كتبت عدة مقالات عن بعض هذه المجموعات وجهودها وحضورها في المجتمع) وهم بلا شك بحاجة للدعم المعنوي أكثر من حاجتهم للدعم المادي على الرغم من أهميته فتحية إجلال وتقدير لكل من استقطع جزءاً من وقته لمساعدة الآخرين بأعمال تطوعية وأعمال خيرية جزاؤها كبير عند الله سبحانه وتعالى.