وتتوالى الايام الرمضانية وقد اقتربنا من النصف، واصبحنا نترقب دخول الأيام الخالدة: كيوم بدر وغزوة بدر والعشر الأخيرة من رمضان نتحرى فيها ليلة القدر التي تحدث عنها القرآن، وأوصانا بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ايام وليالي يقبل فيها المسلم والمسلمة على الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله ويجأر بالدعاء في كل الأوقات، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة رضوان الله عليهم حين قال لهم : (ثلاثة لا ترد دعوتهم الامام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء، بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين). وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم امته بالدعاء عند الافطار وبين انها ساعة استجابة، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ان للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) رواه ابن ماجة. والمؤمن قريب من الله دائماً، مستجاب الدعاء في كل آن. روى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (لا يزال يستجاب لعبد ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم) رواه مسلم. وفي الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول : دعوت فلم يستجب لي) متفق عليه. ومن اللطائف التي يتنبه اليها الناظرون في كتاب الله المتدبرون آياته: ان الايات التي تناولت احكام الصيام في شهر رمضان جاءت في مكان واحد، وانه كان يتخللها قوله تعالى: (واذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)سورة البقرة الاية 186. انها لفتة عجيبة تصل الى أعماق النفس المؤمنة وخفايا السريرة، فتجد العوض الكامل، عن مشقة الصوم في القرب من الله وفي استجابته للدعاء، ولم يقل سبحانه : (فقل لهم اني قريب) ولم يقل : (اسمع الدعاء)، انما تولى بذاته العليا الجواب على عباده بمجرد السؤال ووعد بالاجابة : (اجيب دعوة الداعي اذا دعان). انها آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، وطمأنينة القرب من الله، وتفتح ابواب عطاء الله بغير حساب، كما تفتح ابواب القلوب المؤمنة لتلقي الامر الالهي بالاستجابة لله، والايمان به وبصدق وعده في استحياء منه ومسارعة اليه ابتغاء رضوانه والاستقامة على صراطه : (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون). ومن ذلك يدرك ان المؤمن قريب من الله وان الله عز وجل قريب من عباده، يسمع دعاءهم، ويجيب سؤالهم، ويعلم سرهم ونجواهم، فإذا كان رمضان كان الله اشد قرباً، وأكثر استجابة ورحمة، فإذا كانت ساعة الافطار كانت الاجابة والدعوة التي لا ترد بفضل الله. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً وقد حضر رمضان : (أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى الى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله) رواه الطبراني ورجاله ثقات. وبذلك نرى ان رمضان شهر استجابة الدعاء للصائمين الذين استجابوا لله باداء ما افترض عليهم من العبادات العظيمة، وتقربوا اليه بمزيد الانابة والرجاء، والضراعة في طلب المحبوبات فهو قريب منهم، ويحبهم ويحبونه، ويخلصون العبادة له، ويلحون في سؤاله ودعائه، وفي الحديث : (إن الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي وابن ماجة واحمد بن حنبل. وهكذا يعلمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم : (إن الدعاء سلاح المؤمن. وعماد الدين، ونور السماوات الارض وان الله يحب الملحين في الدعاء)، وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من لم يسأل الله سبحانه يغضب عليه) رواه ابن ماجة. اللهم انا نسألك القبول يارب العالمين، وتقبل صيامنا وقيامنا، الطف يارب بعبادك في مشارق الأرض ومغاربها، وردهم اليك مردا جميلاً ولا تجعله يارب آخر العهد بهذا الشهر الكريم، وفي هذا البلد الكريم، وهذه الرحاب الطاهرة بجوار (أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعاملين). والله الموفق وهو الهادي الى سواء السبيل.