يغفل الكثيرون من المهتمين بعالم الرياضة عن المعنى الحقيقي لمدرب كرة القدم وعن الدور الكبير الذي يشغله في سبيل نجاح الفريق , فالمدرب - في وجهة نظر الكثيرين- هو عبارة عن شخص تقتصر مهمته على اختيار أسماء اللاعبين الذين سينزلون إلى أرض الملعب في بداية اللقاء ومسؤول عن اختيار بدلائهم الذين سيلعبون مكانهم في الشوط الثاني , وهو الشخص الوحيد الذي يكون سبباً في حصول أي هزيمة للفريق وأحد الأسباب الثانوية في حالة انتصار الفريق , هذا باختصار هو تعريف المدرب في عالمنا العربي . من المؤكد أنني اختلف تماماً مع رأي الشارع الرياضي الذي يصنف مدرب كرة القدم وفق هذا النطاق الضيق , ولكني قبل أن أتحدث عن المفهوم الحقيقي لمدرب كرة القدم أود أن استعرض إحصائية ذكرها أحد المواقع المختصة بالإحصائيات والذي ذكر بأن مدربي كرة القدم هم أكثر الأشخاص في العالم تعرضاً للضغوط , متفوقين بذلك على السياسيين الذين حلوا في المرتبة الثانية , ولا شك أبداً بأن حجم الضغوطات التي يتعرض لها مدرب كرة القدم تبين مدى صعوبة العمل الذي يقوم به , ولكن من هو مدرب كرة القدم في أوروبا ؟؟ وما الفرق بينه وبين المدربين في العالم العربي ؟؟ مدرب كرة القدم في أوروبا هو بمثابة مالك ثانٍ للنادي , يكون مسؤولاً بشكل مطلق عن الفريق من الناحية الفنية فهو من يقوم باختيار الأسماء التي يرغب بإشراكها في المباريات من دون تدخل من الجهاز الإداري وهو من يكون مسؤولاً عن التعاقدات وفق إمكانيات النادي , كما أنه يقوم بدور معنوي هام يتمثل في خلق روح الجماعة في الفريق وبث الروح فيهم في حالة الهزيمة , كما أنه يكون على اتصال تام بالجهاز الطبي لمعرفة أخبار اللاعبين المصابين ويكون مسؤولاً حتى عن اختيار النظام الغذائي الأمثل للاعبين وما هي الأطعمة المسموح لهم تناولها والممنوع عليهم , وغير ذلك من الأمور البسيطة التي تصل حتى إلى تحديد موعد نوم اللاعبين ودرجة الحرارة المناسبة للمشروبات التي يشربونها , قد يعتقد البعض بأني أبالغ قليلاً ولكن هذا هو الاحتراف في أوروبا وكثير من المدربين صرحوا بأنهم يهتمون بأدق التفاصيل المتعلقة بحياة اللاعبين الشخصية , طبعاً لا ننسى البصمة الكبيرة التي يضعها المدرب الناجح على فريقه من الناحية التكتيكية, فالمدرب يقرأ الخصم قبل المباراة عن طريق أشرطة الفيديو , ويقوم باختيار الخطة الأمثل واللاعبين المناسبين لتطبيقها , وكثيراً ما كانت القراءة التكتيكية الجيدة للمدرب سبباً في انتصار الفريق في المباريات حتى وإن كان أقل على المستوى الفني من خصمه . التدريب مدرسة كبيرة للغاية وفي أوروبا تظهر بصمة المدرب بشكل كبير منذ أول شهرين أو ثلاثة أشهر من استلامه لدفة القيادة , والكثير من المدربين الرائعين في أوروبا استطاعوا أن يضعوا بصماتهم الحقيقية على الفريق بل إن الأمر وصل لمرحلة أن سياسة النادي بأكمله تغيرت وتطوعت على نهج وفكر المدرب وفق استراتيجياته ومرئياته , وهذا أمر يبين فعلاً أن الاستقرار في الجهاز التدريبي قد يكون خطوة كبيرة جداً للنادي في الاتجاه الصحيح حتى وان كانت على حساب النتائج في بادئ الأمر . حالياً هناك الكثير من أندية الوسط ومؤخرة الترتيب في أوروبا – وانجلترا على وجه الخصوص – بدؤوا في السير وفق إستراتيجية الثبات الفني وتطورت تلك الأندية بشكل رائع جداً في الفترة الأخيرة وبدأت تصبح رقماً صعباً أمام الأندية الكبرى ومنافساً رئيسياً على بطولات الكؤوس , في حين أنه في عالمنا العربي مازلنا نعيش على موضة تغيير المدربين بشكل دوري ومستمر وكأن استبدال المدرب بآخر هو الحل السليم دائماً في سبيل تطور الفريق وهذا أمر خاطئ بالطبع , فتغيير المدرب بآخر يعني أن جميع ما بناه المدرب في الفترة التي تولى فيها زمام الأمور قد تم هدمه , ويجب على المدرب الجديد أن يقوم بالبناء من جديد حتى يأتي مدرب آخر ليبني بعده , وهكذا أصبحنا نعيش في حلقة مغلقة عنوانها (المدرب دائماً على خطأ) .