قبل أيام أطل علينا شهر رمضان المبارك محملاً بروحانية خاصة حركة في الأفئدة مواقف وذكريات عن أناس كانوا بالأمس قريبين منا يضحكون كما نضحك ويبكون لكل ألم يصيبنا ابتساماتهم ودموعهم حركت إحساسنا الصادق نحوهم بأفراحنا التي كانت تمثل أفراحهم خاصة مع إطلالة شهر رمضان المبارك الذي كانوا يعتبرونه شهراً للألفة والمحبة والوئام. وان كان لقدوم رمضان هذا العام فرحة تبدو على الملامح لكنها مجرد فرحة ظاهرة فالقلوب لازالت مليئة بالأحزان لفراقهم الذي يبدو أنه قد طال فلم نصل إليهم بعد لأن منية الله لم تحن ولا نعرف متى يكون الأجل المحتوم الذي نغادر فيه دار الفناء إلى دار البقاء. وان كنا اليوم نبكي بدموع على أحبة كانوا لم تعد تراهم الأعين إلا في صور أرشيفية فمن واجبنا أن نتذكرهم كلما أشرقت شمس يوم جديد وأن نتذكر كلمتهم وأن نسعى بالدعاء لهم بالرحمة والغفران. وعلينا أن ندرك بأن البعض ممن نراهم اليوم ونتحدث إليهم لا يحملون في قلوبهم من كلمات حق وصدق فقد غذيت عروقهم بالحقد والكراهية وندعو الله سبحانه وتعالى أن ينقيها في هذا الشهر الكريم وأن تكون ابتساماتهم ابتسامات صدق ليست مغلفة بالكذب والبهتان. فهل سنراهم في رمضان وقد غيروا نهجهم الذي ألفوه ويسعون لإصلاح ذاتهم قبل أن يطالبوا الغير بإصلاح أنفسهم ؟. إن رمضان شهر كريم وعظيم وعلينا جميعاً أن نكون كرماء بما نقدمه اليوم من عمل صالح وسعي للحق والصلاح ليكون لنا رصيد في الآخرة ينجينا من عذاب القبر وعذاب النار. وان كان رمضان فرصة للإحساس بمعاناة الفقراء والمحتاجين فهو فرصة أيضا لتهذيب النفس وإصلاحها وإبعادها عن مواطن الفساد من قول وفعل. أما أولئك المتفاخرون بالمال الذي لم تجنيه أيديهم ولم تسكب جباههم عرقاً في جمعه وأخذتهم العزة بالنفس وباتوا يتحدثون عن الملايين ولم يكونوا يوما يجمعون الملاليم ويتباهون اليوم بما تحمله أرصدتهم من مبالغ مالية وسندات عقارية واستثمارية فإننا نسألهم أين ذهب من واصلوا الليل بالنهار وجمعوا لكم كل هذه الأموال؟. ونسألهم أيضاً ألم يساويكم رمضان بأولئك الفقراء فحرمتم لذة الطعام والشراب نهاراً رغم توفره أمام أعينكم؟. لقد أصبحتم اليوم تصومون النهار وتفطرون الليل مثلكم في ذلك مثل الفقير الذي لا يملك داراً يأويه ولا طعاماً يشبعه. إن علينا ألا ننتظر نهاية رمضان وقدوم عيد الفطر المبارك لنصرخ بأعلى صوتنا ونقول إننا صمنا يومنا وصلينا ليلنا ونحن في حقيقتنا مجرد جائعين حرمنا أنفسنا من الطعام وساجدين داخل المساجد ليقال إنا صمنا شهرنا وعبدنا ربنا . فما فائدة صومنا وصلاتنا إن كانت قلوبنا لازالت مليئة بالحقد والكراهية والعداوة؟. فاللهم اجعل لنا رمضان موسماً للخيرات ومربحاً ومغنماً واجعل أوقاته مليئة بالبركات والنفحات واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.