بعد يومين من تاريخ هذا اليوم المبارك يهل على هذا الكوكب وعلى المؤمنين بالحق شهر البركة رمضان.. ولا تقل لي فليس أعطر ولا أجمل من أيامه.. أجل انها الواسطة المجتباه والعقد النفيس وقد تعودت ألا أكتب طيلته الا ما هو منه واليه فليعذرني القارىء وليشاطرني بهجتي.. هذه الأيام الفواحة قد جمع الله فيها لذوي البصائر ألوانا من العبر التي تعمر القلوب وتشعل الأفئدة وترتفع بهذا الجنس الآدمي إلى المكانة التي خلق من أجلها.. لقد جمع فيها ما لم يجتمع في غيرها: العدل، والمساواة، والرؤية الصائبة.. وكل واحدة منها آية في التفكر وفاصلة في الثبات، فالعدل غاية المخلوق الذي أجهد نفسه من عهد آدم عليه السلام الى يومنا هذا يبحث عنه ويطالب بمقتضاه ويحاكم بحجته وينتهي عند أثره، انه العدل الذي لا يختلف عند حكمته أحد من العالمين.. وهاهو هذا الشهر قد جاء ليذكر الناس بهذا المطلب فهل هناك أدل برهاناً على شيء مثل دلالته وتنصيصه؟!. كل المسلمين في رمضان صيام الأبيض والاسود والسيد والمسود، كل من بلغ ما حدده الشارع العظيم لا قبول ولا حجة إلا ما أجاز له من العذر وبينه بالشاهد.. اما غير ذلك فدعاوى منكرة وخروج سافر. أما المساواة في مضمونها الخالص ومناطها الأنقى فهي لا تعرف إلا بالعدل.. والمساواة أن تنظيم كل الشؤون الحياتية في معاش الانسان ومشاركته وأن تكون واضحة المعالم قريبة المأخذ ومن ثم يعرف كل فرد أياً كان ما معنى الامتثال وما هي الطمأنينة والقناعة، وان الركام الهائل من زيف الدنيا ومتاعها وقود ولا شيء أحلى وأهنأ مما فرضه الله ونبه إليه نبيه صلى الله عليه وسلم وان البشر كل البشر نفوس وعواطف وغرائز تمتحن بالمطالب.. ومع ذلك تتساوى اذا رغبت وتنعتق اذا هذبت بالفضيلة.. وان ليس هناك احد يتغذى بالغريض من الطعوم وآخر يتغذى بالذهب والأحجار النفيسة.. بل كلهم يتساوون في المشرب والمأكل والجوع والشبع والصحة والمرض والموت والحياة، وما الفوارق الحياتية إلا ابتلاء ودروس لها ما لها وعليها ما عليها فصاحب الرياش والمتاع والقناطير المقنطرة من الذهب وما في حكمه ثم الفقير المعدم يتألمون بالألم الواحد ويحسون بالعطش المعروف وبالجوع الواحد واذادني الأجل ما تأخر هذا عن ذلك.. فالمسألة اذاً مسألة علم وفهم.. لقد قرأ الكثيرون كثيراً واطلعوا على الجم من المعلوماتية ولكن الدراية الأعم ولكن الجامع المنجي هو الشامل المبصر كتاب الله جل جلاله، ويقيني ان من لم يقرأه ويبتصر في آياته جاهل مهما ظل يقرأ غيره.. إنه بلاشك العلم الممتد عبر الزمان جديدا غضا يتحدى ببيانه واعجازه رجاحة المعقول ونصاعة المعلوم وحداثة المفهوم.. وصدق الله سبحانه حين قال لنبيه : (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين).. قال صلى الله عليه وسلم : (والله لم ارتب ولم اسأل).