اضطرابات عصبية وخلل في بعض وظائف الدماغ تصيب بعض الأطفال خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل لا ترتبط بعوامل عرقية أو اجتماعية تصيب الذكور أكثر من الإناث بنسبة (أربعة أضعاف الإناث تقريبا)، التقت صحيفة (الندوة) ببعض الأسر التي اكتشفت هذه الظاهرة المرضية لدى أبنائها والصعوبات العلاجية والضغوط المجتمعية التي تواجههم. || البداية كانت مع أم خالد والتي قالت كان طفلي مثل كل الأطفال جميلاً وملفتاً للنظر غير أنه قليل الكلام واعتبرته أمراً طبيعياً حيث إنه الطفل الأول لي، وشاء القدر أن يقع في حادثة أثرت عليه كثيرا، فحينما كان في سن السنتين أغلق على نفسه في غرفة مظلمة وأخذ ينادي ويصرخ ولكن لم نستطع كسر الباب إلا بعد مرور حوالي ساعة إلا ربع، ومن بعدها توقف خالد عن الكلام تماما. وأضافت قمت بزيارة بعض المشايخ للقراءة عليه وسافرنا به أنا ووالده لألمانيا لعلاجه ولم أترك أي مركز أو مستشفى إلا ولجأت إليها لعلاج حالة ابني حاولت إدخاله روضة لكنه لا يندمج مع الأطفال وإنما متعلق بي كثيرا، وعنيف إلى حد ما مع الأطفال، وعلمته أنا القراءة والكتابة لكنه لا يجيد أي عمليات حسابية، وماهر جدا في الرسم ومتقن له، وحاولت إلحاقه وخاصة بعد أن كبر بمراكز تعلمه فن الرسم لكنها كانت للأسف ترفض مثل حالة ابني والذي يبلغ الآن من العمر 21 عاماً. وكشفت أم خالد عن معاناتها مع ابنها ومع المجتمع خاصة فلابد له أن يندمج مع المجتمع، وأن يتفهم المجتمع حالة ابني المرضية فلم أجد أي توعية أو مساندة لي، بل في أحد المراكز التسويقية ولأن صوت ابني عالٍ وجدت الأمن يحاصرني لصوت ابني على الرغم من أنه لم يؤذ أي شخص . وعن تكاليف العلاج تقول أم خالد الحمد لله نحن من أسرة ميسورة الحال ولكن تكاليف العلاج جداً عالية فقد تصل في بعض المراكز إلى ثلاثين ألف ريال في العام الدراسي الواحد وعلى الرغم من هذه التكاليف الباهظة لم ألمس استفادة كبيرة ولشدة حرصي على ابني فقد أحضرت له مدرسة في المنزل لتعلمه فن الرسم وغيرها من مهارات التدريب لكنها للأسف فشلت في ذلك فأتمنى من مجتمعي ودولتي أن توجد لمثل ابني المراكز والعاملين المدربين المؤهلين حتى تكفل له ولأمثاله من أبناء الوطن التعامل الناضج وإعطائي أنا كأم طرق وخطط وبرامج مبتكرة لكيفية التعامل معه ودمجه في المجتمع . || وتعبر أم مها عن حزنها قائلة طفلتي تبلغ من العمر ست سنوات وقد كانت في طفولتها متميزة شكلا وجاذبية وحضوراً فمن السنة الأولى لها وهي تحاول الكلام وتنطق كثيراً من الكلمات بوضوح غير أن الذي لفت انتباهي أنها لما بلغت العامين من العمر بدأت تتكلم برتم ولغة خاصة بها واعتقدت أنا كأم أنه نوع من أنواع الدلال لكن الذي أدهشني أنها أصبحت شديدة الغضب وتلقي بنفسها على الأرض، وأن عينيها تتجهان للأعلى بشكل ملفت وعندما ذهبت بها للطبيب أخبرني بأنها ربما تكون مصابة بطيف التوحد حيث أنها لها لغة تخاطب خاصة بها وتلعب وحدها وليس لديها قدرة على التواصل مع الآخرين، وعند سؤال الطبيب عن سبب هذه الحالة، خاصة وأنها كانت طبيعية جدا قبل سن السنتين كان جواب الطبيب بالقول: أن تطعيم السنة والنصف قد يكون أحد الأسباب ولكن بنسبة ضئيلة جدا قد تكون 1/1000. وتضيف أم مها: لم أترك أي مستشفى حكومي أو خاص أو مركز في جدة أو مكة إلا ألحقت ابنتي به لكن دون جدوى فكانت التكاليف في البداية للمركز حوالي سبعة آلاف ثم بعد حوالي عام أصبحت ثمانية ألاف وحاليا خمسة عشر ألفاً غير المواصلات حوالي ثلاثة آلاف على الرغم من أني معلمة وزوجي معلم إلا أن الديون تراكمت علينا لكن يظل علاج ابنتي الأهم مهما تكلفت فقد كنت أخشى على ابنتي من العين في طفولتها ولا أخرجها للمجتمع، لكني حريصة على دمجها بالمجتمع وخروجها معي لكل مكان فهذه مريضة وتحتاج لعناية خاصة والذي أتمناه وأرجوه أن توجد فصول في مدارس التعليم العام أو الخاص، بشرط أن تكون المعلمات سعوديات مدربات مؤهلات مختصات بغض النظر عن التخصص الجامعي للتعامل مع من هن في مثل حالة ابنتي فكم من عاطلة عن العمل لو تلقت دورات مكثفة وتدريبات فإنها بلاشك بنت الوطن وتحن على بنت الوطن المريضة وتعلمها سلوكيات وعادات مجتمعنا فقد عانيت كثيرا من أحد المستشفيات الحكومية حيث كانت مدربة النطق من إحدى الدول العربية فكانت مخارج الحروف خاطئة عندها فكيف تعلم ابنتي المخارج الصحيحة واللغة السليمة. || أما أم عبدالله فتشاركهن المأساة وتقول على الرغم من صعوبة التحدث عن هذا الموضوع الحرج غير أني في خدمة مجتمعي وخاصة هذه الفئة التي تعاني من التوحد فرعايتهم والاهتمام بأمرهم هدف سامٍ وإنساني نبيل. كان ولدي عبدالله طبيعي جدا وكان يتكلم بعض الكلمات غير أنه بعد سن السنتين أصبح متأخراً لغويا ولا يستطيع أن يعبر عن شيء سوى بالبكاء حتى انه لا يستطيع أن يجمع بين كلمتين مع بعضهما وذهبت به لأطباء عدة لتشخيص حالته ومن هنا اكتشفنا أنه مصاب بالتوحد فأصبحنا نعالجه في مراكز التوحد ذات التكاليف العالية جداَ فنحن من أسرة متوسطة الدخل ولا يوجد لدينا عائل غير زوجي وأنا غير موظفة وكثيرا ما عانيت من المجتمع فخروجنا للمرافق العامة لا بد أن يكون محدود ولوقت محدداً وبطريقة منظمة جدا فنحن كأسره غيرنا حياتنا ونظامنا من أجل أبنائنا ومن المؤسف أيضا ما وجدته من رفض كثير من المدارس إلحاق ابني بأحدها. وتمنت أم عبدالله لو أن هناك توعية للمجتمع واهتمام بمثل حالة ابنها وغيرهم من مرضى التوحد بأن توجد معاهد حكومية أو مراكز تعنى بهم لتعلمهم لغة التخاطب وغيرها من احتياجات هذه الفئة من المجتمع وتضيف أم عبدالله فكم حضرت من ندوات ومحاضرات كلها تقريبا معادة أريد برنامجاً بخطوات مدروسة ونتائج فعالة ففي كثير من الأحيان أجهل حتى الوسائل التعليمية التي تساعد طفلي على التعلم وأتمنى أن تكون هناك جهات حكومية تتبنى تقديم معونات لمثل هؤلاء الأطفال تعينهم على حياتهم ومستقبلهم. || في المقابل أوضحت نرمين قطب أخصائية علم النفس الإرشادي بأحد مراكز التوحد بأن مرض التوحد هو اضطراب معقد ينتج عن القصور في ثلاثة مجالات وهي السلوك والتفاعل الاجتماعي والتواصل فإذا ما استوفت الحالة هذه المجالات الثلاثة وظهرت الأعراض على الطفل قبل أو في سن الثلاث سنوات الأولى من عمره مع اختلاف في مستويات الأعراض وبعد تشخيص ودراسة متأنية للحالة نستطيع وصفها بأنها حالة توحد. وعن أسباب مرض التوحد أوضحت قطب بأن الدراسات العلمية والبحوث المعملية لم تظهر أي أسباب وراثية أو بيئية للمرض وإنما قد ينتج عن خلل جيني وخلل وظيفي بالجهاز العصبي وأضافت قطب بأن أبرز أعراض مرض التوحد تظهر في السنوات الأولى من عمر الطفل التوحدي بأن يكون التواصل لديه ضعيفاً مع الأشخاص وأقوى مع الأشياء التي تثير انتباه الطفل كما أن التواصل البصري يكون ضعيفاً جدا أما التواصل اللغوي فعلى درجة من الضعف وعادة ما يكون مرتبطاً بأشياء غير وظيفية ولا تكاد تظهر أي أعراض جسدية واضحة تدل على التخلف العقلي . وعن أنماط التوحد أشارت قطب بأن هناك أنماط مختلفة لمرضى التوحد فهناك النمط النشط الشاذ وهو من يسعى للتفاعل ولكن يكون التفاعل من خلال الشخص المريض والحركة الزائدة أما النمط السلبي فليس لديه ردة فعل رافضة بدرجة كبيرة بينما النمط الكلاسيكي يكون فيه الطفل منعزل ويعيش في عالمه الخاص لديه اهتماماته الخاصة ولا يقبل الخروج من عالمه . وشددت قطب على أهمية سرعة التدخل العلاجي المبكر لتأهيل الطفل سلوكيا وتربويا ليندمج مع أقرانه في مجتمعه فالعلاج السلوكي هو المحور والعلاج الدوائي مكمل لمثل هذه الحالات المرضية . || كما عبرت خيرية عمر بافهيد مديرة بأحد مراكز التوحد بمكةالمكرمة بأن عمل المركز يركز على تأهيل الطفل التوحدي وتدريبه على الاندماج في مجتمعه والالتحاق بمدارس التعليم العام كما يقدم المركز دورات إرشادية لأسرة الطفل التوحدي ويساهم في عملية تشجيع حضور أولياء أمور أطفال التوحد للمؤتمرات وورش العمل الخاصة بكيفية التعامل مع الطفل التوحدي. وعن شروط قبول الطفل أوضحت بافهيد بأنها شروط ميسرة كأن تكون لدى الطفل إعاقة عقلية بعد تشخيص الطبيب المختص وإجراء بعض الاختبارات من قبل المركز لتحدد مستوى الطفل والخدمات التي تقدم إليه وأن لا يقل عمر الطفل عن ثلاثين شهرا وأن تكون لديه القوة البصرية والسمعية التي تمكنه من الاستفادة من البرنامج التأهيلي وأن يكون قادراً على الحركة مع موافقة ولي الأمر على جميع التعهدات وخاصة التعاون مع المركز .