كثير من الآباء - هداهم الله وأصلح حالهم - يعاملون أبناءهم الصبية بنوع من القسوة ، وحدة الطباع ، والجلافة ، ظناً منهم أن مثل هذه الأساليب ستجعل من أبنائهم مطيعين مستجيبين لطلباتهم بارتياح نفسي متناسين أن مثل هذه الأساليب ستجعل منهم فئات غير قادرين على التعامل والإختلاط بالمجتمع على مختلف شرائحه.. إلا أنه للأسف اعتقاد يجانبه الصواب وهو مرير يزرع ويولد الكراهية في صدور الأبناء وفي نفس الوقت يضعف من شخصياتهم ويميت الطموح ويحجم من اندماجهم مع أقرانهم بالشكل الصحي السليم ناهيك أن تلك الأساليب ستؤصل في نفوس الأبناء نوعاً من أنواع الخوف من كل شيء من الحديث مع الآخرين ، من المحاولات لإنهاء أمر ما ، حتى أنها تقتل فيهم طعم التمتع بالنجاح. كنت يوماً في زيارة لأحد الأصدقاء .. وبينما كنا في المجلس الذي امتلأ بالحضور دخل علينا ابن الرجل الذي قد تجاوز عمره السنة الخامسة عشرة بقليل يحمل ثلاجة القهوة فتعثرت قدماه في السجاد وسقط .. وسقطت معه الثلاجة .. وإذا بهذا الأب الصديق يقول لابنه وبأعلى صوته: (عساك العمى ، إنت دايم ماتشوف ، فين عقلك أنا ما قلت لك تمشي زي الثور عينك في الأرض .. قوم لُمْ إللي إنكسر الله يكسر رجلك ياغبي.. وبعدين أعرف حسابي معاك مو قدام الناس) يا الله .. أهناك حساب آخر بعد هذه الشتائم ؟بصراحة لقد بكيت من الداخل وحاولت أنا والحضور أن نغذي هذا الأب الغليظ القاسي القلب بعبارات جميلة إلا أنه رد بجلافة: (قوم إنت وُهُوَّ بلا كلام فاضي .. إنتوا ناس ما تعرفوا الأشكال هاذي) بصراحة سكتنا خوفاً من أن ينزلق لسانه كذا أو كذا ونسمع من قاموس ألفاظه الغليظة كلاماً لا يسر الخاطر. حادثة أخرى في قصر أفراح والناس مبسوطة وفرحانة مختلف الطبقات الاجتماعية وإذا بأب من وسط الحضور يصرخ بأعلى صوته موجهاً كلامه لابنه المراهق: (هنا .. هنا يا اعور.. إنت منت شايفني يا أعمى .. أصلك أهبل زي أمك ويطأطئ الشاب رأسه خوفاً من والده وهو يختلس النظر فيمن حوله من الحضور وكأنه يريد أن يعرف أو يقرأ وجوه الحضور .. وآخر اخفق ابنه في إتقان عمل معين تجده يوجه له كلاماً شديداً مثل (أصلك فاشل ما تنفع في شيء أبداً.. كم مرة قلتلك لا تستخدم عقلك لأن عقلك مزنخ ، عذبتني الله يصيبك). لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أيسمى البعض هذه الألفاظ تربية ؟أيعتقد البعض أن هذه الألفاظ ستجعل من الأبناء أشخاصاً ناجحين؟ بالعكس لن تولد مثل هذه السلوكيات لدى الأبناء إلا الكراهية والبغضاء على آبائهم ، تجعلهم يدعون الله ليل نهار أن يميتهم لكي يرتاحوا.هل يعتقد بعض الآباء أن بعد هذه الألفاظ وهذه المواقف المحبطة المخجلة للأبناء ننتظر منهم الخوف علينا ، مراعاتنا ، احترامنا نحن الآباء ؟؟ لقد نحر بعض الآباء شخصيات أبنائهم ،غرسوا فيهم الضعف الداخلي والخارجي ، تسببوا لهم بأن يكونوا لقمة سهلة للفئات المنحرفة تتبناهم وتستخدمهم في طرق غير سليمة.. فماذا يكلفنا نحن الآباء لو استبدلنا هذا النوع من الألفاظ بكلمات أخرى تزرع المحبة والعطف والحنان ، وتبني الشخصية وتقوي العزيمة في أبنائهم .. ما أكثر هذه الكلمات الجميلة الرائعة مثل (رحم الله والديك ، لو سمحت يا إبني ، أعد المحاولة مرة أخرى ، إحرص وأنت ماشي ، خذ القرار المناسب ، أنت رجل البيت من بعدي ، حفظك الله يا ابني ، الله يحميك ، الله ينور بصيرتك ، الله يستر عليك)..إلخ.. إلخ. ما أجملها من كلمات وجمل تشعل في العقول نور الحكمة ، وتؤصل عرى البر والإحسان بالوالدين ، وتجعل الابن يتربى عليها وينقلها لأبنائه.. فليحرص الآباء والأمهات جميعاً على اختيار الألفاظ المقربة وليست تلك المنفرة ، المشجعة وليست المحبطة ألفاظ جميلة رائعة كالماء العذب عندما يهطل على الأرض القاحلة فيجعلها تهتز وتنبت من كل زوج بهيج ويحصد الإنسان زرعها وينتفع به.