النخب أو الصفوة كلمة محدودة المعنى والمؤدى لايجوز لنا تحملها أكثر مما تحتمل فهي تقال فقط للنخب الثقافية أو الفكرية أو الأكاديمية أو الصفوة من العباقرة والمفكرين والمبدعين والمخترعين. لأنهم حقاً يمثلون عصارة الفكر والثقافة في كل أمة. ومنهم بعض الأئمة والعلماء ولا أرى تعميمها على الوجهاء أو الأعيان لأننا كثيراً مانخلط بين الصفوة والنخب والأعيان والوجهاء وندخلهم في نفس الزمرة التي هي عصارة الفكر الاجتماعي والثقافي والعلمي، فكلمة العلماء البعض منا وللأسف وخاصة في مجتمعنا محصورها دائماً في علماء الدين والأئمة والخطباء ونرددها دائماً على كل رجل دين أو كل من تعلم وعلم الدين وحتى كل من أفتى بعلم أو بدون علم.. فكلمة العلماء هي كلمة عامة وشائعة لكل من سبق ذكره وهي كلمة عامة تشمل جميع ميادين الحياة العلمية والدينية. ولايجوز تخصيصها لفئة معينة على حساب أخرى أو تخصص دون آخر.. وعلى كل حال فعلى مدار التاريخ الإسلامي يظل العلماء أنين مكانتهم السامية، ومنزلتهم الرفيعة لقول الله تعالى:(يرفع الله الذي آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) الآية. وهذه الآية الكريمة توضح لنا أن كلمة العلم تقال لعلماء الدين (وهم الذين آمنوا) وتقال أيضاً لغيرهم من الذين (أوتوا العلم درجات) من العباقرة والمخترعين في كافة مجالات العلم وتخصصاتهم. كما جاء في القرآن الكريم :(قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لايعلمون) فالنخب الدينية والثقافية أحال الله الأمة إليهم لسؤالهم والأخذ عنهم فقال عز من قائل :(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون). ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حنسة حيث جعل المصطفى عليه الصلاة والسلام.. غيابهم عن الوجود سبباً للضلالة والإضلال.. (إن الله تعالى لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلو فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).. رواه أحمد. وهنا أود أن أوضح مالمقصود بهؤلاء العلماء وما الفرق بينهم وبين حملة المصطلح المثقفون أو النخب الثقافية؟ وأقول كلاماً جميلاً قرأته للإمام أحمد رحمه الله بين فيه مكانة العلماء وأثرهم ومن يقولون على الله بغير علم وكيف هم الذين يخدعون الناس؟ قال رحمه الله في كتابه الرد على الزنادقة والجهمية :(الحمد الله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ظل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لايلبس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المطبلين، وتأويل الجاهلين، الذي عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مقاومة الكتاب، يقولون على الله وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين). ومع احترامنا لعلمائنا الأفاضل الربانيين.. أما هؤلاء الذي تغلغلوا داخل صفوفنا ومدارسنا ومساجدنا وتشبهوا بالعلماء في زيهم وصفاتهم الشخصية وأخلاقهم فأضلوا المسلمين وأصحاب الرأي والمشورة، معتبرينهم القدوة والصفوة بين علماء المسلمين وهم أضل الناس عملوا على تحريف كتاب الله.. وحوروا أحاديث رسول الله لما يخدم مبادئهم وأهدافهم، كما أشاعوا التفرقة بين المسلمين وأوجدوا صراعاً للفكر والحضارة، كما عملوا على تقسيم المجتمع وأفراده إلى جماعات ومسميات وعناصر متهمينهم بالخروج عن الكتاب والسنة.. وأجازوا قتلهم، كما أباحوا الخروج عن الحكام والقيادات معتبرين أنفسهم على الحق وغيرهم على الباطل... إنهم عملوا على تفرقة الصفوف بين المسلمين.. ورميهم بما ليس من الصفات والبدع، التي لايجوز للمسلم أن يطلقها على أخاه المسلم. الفئة التي حذر منها الإمام أحمد في زمنه وهي لاشك ظاهرة تتكرر في كل زمان، ولكن بأشكال مختلفة وأسماء متباينة، إنها فئات قديمة ولكنها متجددة تفتن الناس عن دينهم وتدعوهم إلى التمرد على قيمهم وحكامهم ومجتمعاتهم وتحاول الفصل بين الأمة المسلمة وتاريخها المجيد، وتنظر إلى أصالتهم على أنها نوع من الجمود والرجعية والتطرف والأصولية.. وأرباب هذه الفئة يطلق عليهم أحياناً اسم النخب الثقافية هذه النخب من أبرز ملامحها أنها مشدودة إلى الفكر الخارجي من الغرب أو الشرق وحسب هيمنة هذا الفكر أو ذاك وهي مولعة باجترار (ثقافة الاغتراب) في مختلف الأفكار والمذاهب السياسية، والاقتصادية، والأدبية. ولظروف غربتها الثقافية فبينها وبين مجتمعاتها الإسلامية نوع من النفور والجفوة، ولذا فهذه الفئة كما تعيش غربة فكرية هي كذلك تعيش عزلة شعورية. إذ لها همومها وأهدافها وللمجتمع من حولها هموم وأهداف تخالفها أيضا، هذه النخب حين تخطط للمجتمع أو تكتب عن سبل نهضته فإنما تتحدث بعقول غيرها وتتحدث حين تتحدث كما لو كانت تتحدث عن أمة أخرى وديار أخرى.. غير أمة الإسلام وديار الإسلام. إن هذه الفئة المستغربة يمكن أن توصف بالرائد الذي كذب أهله فقد نهل عدد منهم من معين الثقافة المستوردة، فأشربوا حبها وذهب البعض منهم إلى ديار الغرب ليكون سفيراً لأمته في نقل حضارتها الإسلامية المشرقة والقادرة على الإنقاذ لمن تردوا في الهاوية، فإذا بهم يعودون أجراء يرددون بوعي أو بغير وعي ما يريده أساتذتهم الذين باتوا يسخرون من تبعيتهم لهم، ويعترف هؤلاء الأسياد أنهم جعلوا من هؤلاء، المنهزمين عدماً لنقل الفكر الرديء والثقافة المستوردة إلى بلاد المسلمين نيابة عن هؤلاء الغزاة ومما يحزن النفس ويلهب الخاطر أنك ترى مثل هؤلاء النخب الذي تخرجوا من أعرق الجامعات الأمريكية والأوروبية انتهى بهم المطاف لأن يكونوا لاجئين سياسيين أو معارضين لدولهم، وتجدهم مطرحين في مقاهي لندن وفرنسا وبعض الدول الأوروبية يعملون سماسرة للرأي والفكر والصحافة والإعلام يتميزون ببيع أقلامهم الرخيصة وأفكارهم الوضيعة، يحز في نفسك وأنت تتجول في شوارع لندن أو باريس أن ترى مثل هذه النخب معطلة مؤجرة الفكر والثقافة، متخذين من صراع الحضارات على المثقفين المسلمين سبيلاً لهم للاسترزاق. فيا أيها المثقف احذر من آثار الثقافات الوافدة ولابد أن يكون لك دور حقيقي في كشف صراع الحضارة الغربية للإسلام، ففي ذلك تحصين لابنائك وابناء الأمة الإسلامية من آثارها المدمرة وفيه حماية للأمة من الذوبان في حضارات وثقافات الآخرين، ونحن اليوم في مرحلة صراع قيمي وأخلاقي وغزو فكري رهيب، ومن الطبيعي والبديهي أن البقاء للأصلح والأقوى حيث أن ديننا قوي ذا دعامة وأصول وجذور فلا نخاف على حضارتنا، ولكن نخاف على أنفسنا منها، أقول إن ليس كل النخب الثقافية محور هدم أو تابعين أو مأجورين بل فيهم فئة صالحة أصلاء يحملون هموم الأمة ويعالجون قضاياهم، ويعتبرون في طلائع الرواد الذين لم يكذبوا أهليهم ولم يخدعوا أماناتهم. ونقول لمثل هؤلاء أنتم مكان تقدير الأمة.. وعسى الله أن يكتب الخير على أيديكم فإما أن يهدي الله بكم من ضل أو تكونوا سياجاً مانعاً عن ظلال الآخرين، وحسبكم أن تؤدوا الأمانة وأن تكونوا خلفاء الأنبياء عليهم السلام في البلاغ الحق للناس بما شرع وأوحى به القرآن والسنة المحمدية. ونسأل الله الحماية لشبابنا وابنائنا ومجتمعاتنا الإسلامية.