إن من محاسن ديننا ومزاياه ما جاء به من الحق والتأكيد على التكافل بين أفراده ، والاهتمام بشأن بعضهم فالمؤمنون اخوة متحابون ورباط الإيمان بين أهله كرباط النسب والقرابة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) ويوضح نبينا عليه الصلاة والسلام حال أهل الايمان فيقول: (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) متفق عليه. ومن مظاهر هذا التكافل بين أفراد المجتمع اهتمامه برعاية الأيتام وتأكيد ذلك بما بين من فضل هذا العمل فقد بين الله تعالى من صفات الأبرار (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى) قال عنهم (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً). وعاب الله تعالى من لا يكرم اليتيم فقال (كلا بل لا تكرمون اليتيم) وقال: (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدعّ اليتيم). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى). متفق عليه. وقال : (من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات) رواه أحمد بسند صحيح. ولا شك أنه لا منزلة في الآخرة أفضل من مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. إن كفالة اليتيم دليل على وجود حس الأخوة الايمانية، وسلامة الفطرة ، والاهتمام بأحوال المجتمع ، وهو سبيل لبناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهية ، وهو عائد لكافله بالأجر والبركة بما يناله من ثواب. واليتيم هو من فقد والده وكفالته أي القيام بأمره ومصالحه من الانفاق عليه والاحسان إليه وتربيته. وقد اختلف أهل العلم هل يدخل اللقيط وولد الزنا في اليتيم فيشملهم ما يشمله من أجر الرعاية والانفاق عليهم من أموال الفيء ونحوها أم لا. فذهب كثير من المحققين إلى أنهم من الأيتام لأن المعنى الذي شرع لأجله كفالة اليتيم موجود فيهم فهم قد حرموا من حنان الأب والصدر الحاني الذي يرعاهم ووجودهم بلا اهتمام ورعاية يخرج منهم اناساً محرومين من الرعاية وهذا يعوق تواصلهم مع الناس بل ربما أفضى بهم لكراهية المجتمع والحقد عليه ، مع أن هؤلاء منقطعون عن المجتمع أكثر من الأيتام فاليتيم قد لا يخلو من أقارب يولونه العناية وهؤلاء ليس لهم من يهتم بهم إلا أهل الاحسان والفضل. ولذا قال في حواشي الشرواني واسنى المطالب ويشمل اليتيم : ولد الزنا واللقيط والمنفي. وهذا كما هو مذهب الشافعية فهو مذهب الامام أحمد واختيار ابن تيميه كما نقله عنه في الانصاف والفروع واستدل بأن اليتم : انكسار يدخل على القلب بفقد الأب: وهذا المعنى موجود فيهم. ومن هنا يتوجه أن يدعى المحسنون الراغبون في الثواب إلى الانفاق على من حُرم نعمة الأبوة الشرعية بلا ذنب منه أو فقد أباه لينال المحسن صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وينال بركة ما أنفق.