أهداني أخي الأستاذ أنيس بشير شودري نسخة من كتابه، (لقطات من المعالم العمرانية لمكةالمكرمة والمدينة المنورة والطائف، 1387ه 1404ه)، وهو عبارة عن كتاب يحتوي على صور قديمة لمكةالمكرمة ، في الفترة المذكورة أعلاه، التقطها معد ومؤلف هذا الكتاب الأستاذ أنيس شودري ، بكاميرته الخاصة ، في فترة لا تهتم كثيراً بالتوثيق بالصور، إلا ما ندر. وكنت كلما قلبت الكتاب كلما رجعت إلى فترة عشت فيها قديماً قبل نصف قرن ، بين حواري مكةالمكرمة ، وأزقتها ومنازلها الحجرية التي تزينت بالرواشين الخشبية التي أعتبرها من الفن المعماري النادر في العالم أجمع. فقد كان أجدادنا من أهالي مكةالمكرمة ، فنانين بالفطرة ، وكانوا مهندسين معماريين بالسليقة ، وكانوا رجال تخطيط للمدن بالتوارث. وأود هنا أن أسطر إعجابي وشكري وتقديري للأخ الصديق الفنان الفوتوغرافي الأستاذ أنيس شودري على هذا التوثيق الذي أرجو أن يكون قد تم بواسطة أمانة العاصمة ، أو أي جهة رسمية أخرى ، لتوثق لنا كيف كانت مكةالمكرمة قبل مائة عام ، وحتى إزالة جميع مبانيها الثرية والتاريخية والمعمارية التي تحكي تراثا حضاريا كان من الممكن أن يحافظ عليه أو على بعضه ليحكي للأجيال الحالية والقادمة قصة مجتمع له حضارته وتقاليده وعاداته التي عكسها إيمانهم بالله ربا وبمحمد نبيا ورسولا وبالإسلام دينا. فتصميم بيوت مكةالمكرمة وأزقتها وحاراتها ، التي لو حللها الإنسان ، لعرف كم كانت مسألة الكرامة والرجولة والشهامة والحياء والأدب هي من الثوابت لدى الإنسان المكي. فما معنى أن ترتفع سترات الأسطح ، وما معنى أن يكون الروشان مكانا لو وقفت خلفه المرأة لما رآها من يسير في الشارع، وما معنى أن تقسيم البيوت إلى صفة ومجلس ومقعد ومخلوان وديوان!!. وما معنى أن تلبس المرأة في مكة العباءة وترخي على وجهها (الطرحة) طبقتين أو أكثر ، وما معنى ، أن تضع المرأة (طاولة العيش، الخبز) عند باب البيت، ليأخذ الطاولة أول من يمر في الشارع، ليخبز العيش ، ويعود به للمرأة؟!. إن كتاب الأخ الأستاذ الشودري ، كتاب توثيقي مهم ، مثله مثل بعض الكتب القليلة النادرة التي تحكي لنا قصة مجتمع، أصبح يعيش الآن في مخططات متباعدة، تفرقت فيه بل ضاعت فيه تلك العادات والأعراف والتقاليد القديمة التي كنا نعيشها، وكانت تعكس في مجتمعنا الأدب والحياء والأخلاق والشهامة والرجولة والتآخي والتضامن والتكاتف والتكافل الاجتماعي الذي أصبح عملة نادرة مفقودة. فأصبح الجار لا يعرف جاره ، وأصبحت المادة هي العملة التي يتعامل بها. أرجو من أميرنا صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، الذي يولي جل اهتمامه بمكة الحديثة، أن يوجد لنا حياً مكياً ، يحكي قصة مجتمع عاش قبل قرن من الزمن، في نسيج متكامل متحد، يخدم ويقدم كل ما لديه من أجل كرامة الإنسان ومن أجل ضيوف الرحمن. كما نطلب من سموه إيجاد متحف مكةالمكرمة ، في أية بقعة كانت في مكةالمكرمة أو ضواحيها. كما أرجو أن تكون أمانة العاصمة المقدسة لديها ما تخدم به هذا الموضوع ... ويا أمان الحائفين.