| يكاد دور رجال الحسبة في وقتنا الحاضر ينحصر في مراقبة السلوك الأخلاقي، وحماية الأعراض من عبث الماجنين وتهور المراهقين، فضلاً عن الدور الرئيسي المتمثل في ملاحظة الأسواق خاصة أثناء أوقات الصلاة، ويؤدي هؤلاء الرجال النبلاء دورهم وفقاً لما يقتضيه مبدأ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).. ورغم هذه المهام التي يتطلبها مجتمعنا الذي أصبح يعاني من تجاوزات بعض الشباب المستهتر بالقيم الأخلاقية، فإن الاحاديث لاتزال تردد ما يثار من قضايا جانبية قد تحدث اثناء أداء رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعملهم، ويحاول البعض التقليل من قدرات هؤلاء الساهرين على حماية الأخلاق. | وقد أدهشني ما قرأته عن دور رجل الحسبة قديماً، وذلك في كتاب عنوانه : (الإسلام هو الحل) بقلم القاضي محمد سويد، والسبب ما ورد من مهام عديدة كان يقوم بها رجال الحسبة، هي اليوم من صلاحيات ادارات حكومية أخرى. في البدء يعرف الكاتب الحسبة بقوله : (هي وظيفة دينية تتعلق بالنظر في أمور النظام العام والجنايات أحياناً مما يحتاج الفصل فيها الى السرعة. وكانت الحسبة والقضاء الذي هو فض المنازعات المرتبطة بالدين بوجه عام يسندان في بعض الأحيان الى رجل واحد مع ما بينهما من تباين لأن عمل القضاء مبني على التحقق والاناة في الحكم في حين أن عمل المحتسب مبني على الشدة والسرعة في الفصل)، ثم يذكر المؤلف ما أجمله المؤرخ ابن خلدون عن أعمال المحتسب في ذلك الزمان حين قال : (ويبحث المحتسب عن المنكرات ويعزر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة مثل : المنع من المضايقة في الطرقات، ومنع الحمالين وأهل السفن من الاكثار في الحمولة، والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وازالة ضررها المحتمل على السابلة، والضرب على ايدي المعلمين في المكاتب وغيرها في الابلاغ عن ضربهم للصبيان المتعلمين ولا يتوقف حكمه على منازعة أو استعداء، بل له النظر والحكم فيما يصل علمه من ذلك، ويُرفع اليه، وليس له امضاء الحكم في الدعاوى مطلقاً فيما يتعلق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها، وفي المكاييل والموازين، وله ايضاً حمل المماطلين على الانصاف وأمثال ذلك مما ليس فيه سماع بينة ولا نفاذ حكم، وكأنها أحكام ينزه عنها القاضي لعمومها وسهولة أغراضها فتدفع الى المحتسب ليقوم بها، فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لمنصب القضاء) انتهى ما نقل من مقدمة ابن خلدون. ثم يضيف المؤلف مهام أخرى نُقلت عن الشيرازي : (وكان أي المحتسب يشرف على السلع المعروضة في الأسواق، فيشرف على بائعي الفراء، وصانعي الحلوى، وعلى شوائي اللحوم، وعلى الرواسين (بائعي الرؤوس) والأكارع وعلى قلائي السمك وصانعي الهريسة، كما يشرف على صانعي الأشربة وهي الأدوية السائلة، وعلى البزازين والخياطين لمراعاة جودة التفصيل، وعلى الصباغين والدلالين والمنادين وعلى الصاغة والصيارفة وعلى الحمامات). | وبعد : ماذا يمكن أن يفعله (المحتسب) في وقتنا الحاضر لو أُسند اليه جزء من تلك المهام الصعبة التي (أدهشتني!)؟! ولاشك أن تطور الحياة غير الكثير من المفاهيم والأدوار المتعددة.. ولا نملك إلا الدعاء لرجال الحسبة بالتوفيق فيما أسند اليهم من أعمال أراها (كافية).. وأن نكون لهم السند بعد الله تعالى لتيسير مهامهم. والله ولي التوفيق.