أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أن التعاون في نشر المعرفة ، وفي تبيين الحقائق ، وفي رفع مستوى العقل الشرعي ، وإدراك مقاصد الدين وأهداف الشريعة واجب على الجميع لأن الإسلام هو دين الله تعالى ، ولا بد لنا من عقل الإسلام ، وفهم الإسلام حتى نعبد الله على بصيرة وهذا يحتاج إلى توعية ، وبث مستوى من المعرفة والعلم حتى يُدرك ذلك ويُعقل على بينة ووضوح وبرهان ودليل. وأبان معاليه في المحاضرة التي ألقاها مساء أمس الأول في نادي الضباط بالرياض تحت عنوان (الوسطية والاعتدال وأثرهما في حياة المسلمين) أن المجتمع المسلم لم يكن بحاجة لأن يطرق هذا الموضوع كثيراً في الماضي ، لأنه لم يكن يُرى مظاهر الطرفين ، طرف الغلو والتكفير والابتداع في الدين والزيادة فيه ونسبة أشياء إلى الشرع ليست منه ، والخطأ في فهم كثير من المسائل الشرعية مثل الجهاد وغيره ، أو الطرف الآخر الذي هو طرف التغريب والانحلال ، والرغبة في ألا يكون دين يحكم الناس ، ولا أن تكون هناك متابعة للكتاب والسنة في حياة الناس. وأضاف أن الحاجة جاءت لتبيين ما أراده الله - جل وعلا - لعباده من دين الإسلام ، وهو أن يكون الناس ملتزمين بهذا الدين الذي جعله الله - جل وعلا - وسطاً بين الغالي والجافي ، مبيناً بأن الوسطية والاعتدال والحديث عنها مطلب مهم وذلك لأهمية الموضوع بالنسبة للدين ، وللشريعة ، وأهمية الموضوع بالنسبة للزمان الذي نعيشه . وأكد معالي الشيخ صالح آل الشيخ أن هذه الأمة هي الأمة الوسط كما وصفها الله تعالى في كتابه الكريم : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) ، مشيراً معاليه إلى أن خير الناس من يكونوا على هذه الوسطية وأن لا يذهب مع أهل الغلو الذين جانبوا الإسلام بغلوهم ، ولا أهل الجفا والتطرف والانحلال الذين أطاعوا الشيطان في تصرفاتهم ، لذلك كان مبدأ الوسطية والاعتدال عدلاً خياراً ، فهو عدلٌ بين جميع الأطراف وهو الخيار والخيرة التي يختارها المسلم. وأفاد معاليه أن مرجع فهم التوسط هو إلى كتاب الله جل وعلا - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلّم إذ لا يمكن أن يقول قائل : إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أي أمرٍ من الأمور بأنها ليست هي الوسط وهي العدل والخيار ، ولهذا نجد أن ارتباط فهم موضوع الوسطية والاعتدال ارتباط ذلك بمقاصد الشريعة والقواعد العامة. واستعرض معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عدداً من فوائد رعاية المنهج الوسط ، ومنها أنه لا يمكن أن يبقى شيء من المعلومات أو الأفكار أو حتى المناهج إلا إذا كان متوسطاً ، والتاريخ يؤكد بأن القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة فيها الأمثلة لمن سبق ولمن يأتي ، الذين يتشددون أو يذهبون إلى الغلو كالخوارج ، والغلاة ، والتكفيريين ، وما أشبههم هؤلاء سينقرضون ، أو يضمحلون أو يضعفون ، لأن الله اختار لهذه الأمة أن تكون وسطاً ، فلن يصلحها إلا أن تكون وسطاً ، فالأخذ بهذه الوسطية التي ارتضاها الله لنا هو أكبر عامل من عوامل بقاء هذه الأمة. وزاد معاليه قائلاً (الإسلام بقي محافَظاً عليه في العقيدة ، والشريعة ، والقرآن محفوظ ، والأمة غير الأمم السالفة لم يحدث فيها تغيير كبير مثل ما حدث في الأمم الأخرى في مللها ، وفي عباداتها ، وفي طرقها ، وفي مناهجها) .. مشيراً إلى أنه حصل في الأمة تغيير وابتداعات ولكن ليس بالشكل الذي كان في أمم أخرى ، والسبب أنها حافظت على هذا الاعتدال ، وهذه الوسطية بما دوّنه وقاده علماء الأمة في المسائل الدينية ، والشرعية ، وبذلك نصل إلى نتيجة مهمة وهي أن الاهتمام بالوسطية لأجل بقاء الملة ، وبقاء الدين ، وأن ننظر إلى أننا إذا أشعنا الوسطية والاعتدال ، فهي من أهم مرتكزات القوة التي هي نتيجة للبقاء . وشدد معاليه على أن الأمر الوسط ترتاح له الفطرة ، وتستقيم معه ويُقبل كأنموذج للحياة ، وإشاعة مبدأ الوسط ، ومبدأ الاعتدال مطلب مهم بل هو ضرورة لأجل قوة الإسلام ، وقوة الأمة ، وإبعاد الناس وتحصينهم عن أي فكرٍ يأتي من هنا أو هناك ، متطرقاً معاليه بعد ذلك إلى بعض من المجالات التطبيقية للوسطية والاعتدال وفي مقدمتها الوسطية في أخذ الدين ، قال تعالى : (فاستقيموا إليه واستغفروه) ، و(فاعبد الله مخلصاً له الدين) ، فالأخذ بالدين في أصوله وفروعها فرض على المسلم. وفي سياق آخر ، أكد معالي الوزير آل الشيخ أن أكثر ما تقع فيه الجماعات الغالية والتكفيرية اليوم التكفير باللازم ، مشيراً إلى أن هناك بعض المؤلفات التي ألفت في تصحيح التكفير باللازم والعياذ بالله وهذا غلو شديد في فهم ذلك. وروى معاليه قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابي الجليل حاطب عندما أبلغ قريش بأن النبي صلى الله عليه وسلم سائر لهم وأنه معد لهم العدة بإخباره سر من أسرار الرسول صلى الله عليه وسلم وقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه : ( دعني اضرب عنقه هذا فقد نافق ) ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم - : ( يا حاطب ما حملك على هذا ) ، فدل أولاً على أن من مظاهر الاعتدال في الأحكام أن يُسأل عن المقاصد ، فالذي يحكم على الأوضاع بدون أن يعرف المقاصد ، والأحوال ، والظروف فإنه لم يكن على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. وتحدث معاليه عن وسطية الإيمان ما بين من لا يقول ، إن الإيمان لا يضر معه ذنب وهو حال اليوم طائفة من الذين يريدون الحرية الشخصية ، ودائماً لا يهمهم معصية العاصي ولا طاعة المطيع ، هذا تصرف شخصي إلى آخره ، وهذا لا يؤثر عندهم على شيء، لا يؤثر عندهم على سلوك ، ولا يؤثر عندهم على وضع ، ولا على إيمان ، ولا وضع دنيوي وأخروي ، وطائفة أخرى وهي أشد خطراً وهي المكفرة التي حولت التكفير إلى اعتداء على دماء المسلمين ، وأعراضهم ، وأموالهم ، والإرهاب ، ومحاربة الله ، ورسوله عليه الصلاة والسلام - . واستعرض معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ بعضاً من الأمثلة عن أثر الوسطية في الحياة ، مشيراً إلى أن الحكم على الأشياء ، والأوضاع أمر سلوكي منوط بالتفكير والعقل، فهناك أناس يحكمون على كل شيء بالقبح لأجل أنهم يريدونه أن يكون قبيحاً ، وهناك من يحكم على كل شيء بالحسن لأنهم يريدونه أن يكون حسناً . وأبرز معاليه أن العاقل يأخذ بقاعدة الشريعة التي تقوم على أن الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره ، فلا يمكن أن تحكم على شيء بأخذ بمظهر من المظاهر واحد ، ولا بتصرف قد يكون حسناً فتحكم على الجميع بالحسن ، وقد يكون سيئاً فتحكم على الجميع بالسوء ، وإنما يتوسط المرء ويكون متأنياً في أحكامه لأنه محاسب على حكمه ، مستشهداً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضباًن ) لماذا ؟ لأن الغضب مضنة لعدم إدراك الصواب ، فإذا غضب لن يعقل الحقيقة ، لن يدرك حقائق الأمور ، وقال : لذلك إن الحكم على الأشياء لا بد من رعاية المنهج الوسطي فيها ، فلا يصح الانجراف مع هوى النفس ، أو مع قيل وقال ، أو مع ما تنشره إذاعة ، أو قناة فضائية وخاصة في المسائل السياسية ، المتعلقة بالدول ، المتعلقة بالأوضاع .