ليس من المقصود أن يكون المكان الذي يولد الإنسان فيه سجناً ، ولا يقصد أن يكون المجتمع سجناً ، ولا يمكن أن تكون المؤسسة التي نرتادها سجناً، يولد الإنسان ليتعايش مع ما حوله في العالم الأوسع ولا يتحقق انفتاح الانسان على العالم إلا إذا تفاعل وتحاور معه ، ولا يحدث هذا التحاور إلا إذا كان سلوكه وحديثه وكتابته عن نفسه وحياته صريحين خاليين من التردد والخوف ،معبرين عن شعوره وعاطفته الحقيقيين دون مواربة. لديه قناعة بما يقول ويفعل ولديه مباديء ينطلق من خلالها في ممارسة السلوكيات التي يؤثر بها على الآخرين. لا يتحقق الانفتاح الفكري والحرية بانتقاص المباديء والقيم ودعس العادات والتقاليد وموروث اجتماعي يحمل ايجابيات وسلبيات يحتاج التخلص منها إلى رقي وأدب في أسلوب التجاوز ليس بالانفلات ووضع القناع على الوجه، وليس بالتمرد والخروج عن المألوف ، تتحقق الحرية والانفتاح الفكري برؤية الأشياء كما هي ، برؤيتها عارية مثل أشعة الشمس برؤيتها على حالتها الطبيعية، حتى يمكن التعامل معها، وللأسف الشديد غير المألوف في سلوكيات طلابنا وطالباتنا أخذ يزداد ويتنامى هل لأنهم أمنوا العقوبة فيه؟ أم لأن أعيننا استمرأت المناظر التي نراها وقد يكون المنزل فقد شيئاً من القدرة على الرقابة وقد لا يعلم بما يكون خارج المنزل لكن ما لا يحب أن يكون هو قبول الحال الموجود كم أشعر بألم وأنا أرى بناتنا الرائعات الجميلات وهن يرتدين ال (Iap coat) وقد التصق بأجسادهن وكأنه قطعة من الجسد يتبخترن به أمام حفنة من السائقين خارج الجامعة والعيون تتبعهن حتى يصلن إلى سياراتهن وكم يزعجني استخدام الرقيقات الناعمات اللواتي شبهن بالقوارير لرقتهن وهن يتقاذفن كلمات نشاز لا تقبلها الأذن وكم أتألم لمناظر بعض الطالبات وهن يحاولن مداراة ما تحت (بالطو المعمل) من ضيق في الملابس ، وهن لا يفعلن ذلك إلا لأنه خطأ، وكثير من السلوكيات والمناظر التي إذا تناولناها وفتحنا باب الحوار معهن في المحاضرات من باب أمانة العمل والحرص على التوجيه اعتبرنها حرية شخصية وهذه الدكتورة رجعية. أريد أن أقول لأجيال شباب المستقبل بجنسيه نحن معكم فالاكتفاء بالمألوف والرضا به ضيق فكري لأن هذا الاكتفاء والرضا يعنيان اللامبالاة برؤى أخرى موجودة غير ذلك المألوف ، وعدم مراعاة الرؤى الأخرى في التفكير والعمل والاكتفاء بالمألوف والرضا به انغلاق فكري لأن الاكتفاء والرضا هذين يعنيان بنيويا ووظيفياً عدم تجاوز حدود ذلك الاكتفاء ، والمجتمع يكون مجتمعاً أقرب إلى الحالة الطبيعية وأقرب إلى ممارسة الحرية وأقرب إلى الانفتاح الفكري وتكون فردية الإنسان فيه أقوى وأكثر أصالة، لأن روح الطبيعة ترفض الحظر ، ولأن الحظر تدخل واضح في إدارة الإنسان لحياته، وبالتالي يمس بفردية الإنسان ، وما نريده توسطاً لا حظراً منافياً ولا خروجاً عن المألوف ، كما نريد مسؤولاً وعين رقيب تسعدنا بالمألوف للعقل والجسد معاً فهل من قارىء وهل من مجيب؟.