"مجد للاستثمار" و "عقارات السيف" تعلنان عن تحالف استراتيجي في المنطقة الشرقية    إطلاق مشروع «واجهة جدة» على مساحة مليون متر مربع باستثمارات تصل إلى 10 مليارات ريال    لاكروا: الأمم المتحدة ستعزز يونيفيل بعد التوصل لهدنة في لبنان    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    كوريا الجنوبية تهزم الكويت بثلاثية    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    حسابات منتخب السعودية للوصول إلى كأس العالم 2026    رسميًا.. رانييري مدربًا لسعود عبد الحميد في روما    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    انطلاق فعاليات المؤتمر السعودي 16 لطب التخدير    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    وزير الإعلام يلتقي في بكين مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    عصابات النسَّابة    رقمنة الثقافة    الوطن    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    أفراح النوب والجش    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    أجواء شتوية    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    مقياس سميث للحسد    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب خادم الحرمين الشريفين يرمم الصف العربي ويوحد الكلمة
عدد من المسؤولين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. أبا الخيل: هذا هو ملك الإنسانية والسلام والرجل الشجاع د. الشثري: قائد ذو نظرة ثاقبة للأحداث نطق بالحق
نشر في الندوة يوم 22 - 01 - 2009

أكد عدد من الأكاديميين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ان خطاب خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية في الكويت ، يمثل أنموذجاً يحتذى لقائد فذ وفارس عربي شجاع لرجل المواقف والسلام. ويقول معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل هذا هو ملك الإنسانية والسلام والرجل الشجاع الهمام. فماذا عساي أن أقول ، وبماذا يمكنني أن ابدأ ، وأنا أمام موقف يسجله التاريخ بكلمات من نور ، ويسطره بأحرف من ذهب ، ويكتبه بمداد يبقى محفوراً في ذاكرة الأجيال ، نعم ، إن القلب ليسر ويسعد ، والنفس لتبتهج بل لتطير فرحاً ، والعبارات لتتقاصر ، والمفردات تتناثر ، والمعاني البلاغية لتقف عاجزة عن أن تؤدي هذا الموقف حقه ، إنه موقف الطود الأشم ، والقائد الفذ ، والفارس العربي الشجاع ملك الإنسانية والمواقف ، ورجل السلام ، موقف لا كالمواقف، وصورة تتعاصر دونها الصور ، شهدته قمة عربية في بلد شقيق لمناسبات تعد هموماً متراكمة للأمة .
لكن أعظمها وأهمها الشأن الفلسطيني الذي تعيش أحداثه في قلب كل مسلم ، ويحمل همه الجميع ، ويتفاعلون معه ، والقادة الأشقاء العرب في مقدمة من يحملون هذا الهم ، كيف لا والظلم والغطرسة اليهودية تفرض صورتها القاتمة . في كل مكان ، وعبر وسائل الإعلام المختلفة ويشهد العالم صور الدمار والخراب ، وألوان القسوة والعنف ، والجور والعدوان مع واقع الأمة الإسلامية التي تعاني الضعف والتفرق ، والخلاف والاختلاف ، فتأتي تلك الكلمات المباركات ، في ذلك الموقف التاريخي لخادم الحرمين الشريفين وولي أمر المسلمين ، الملك المسدد الموفق المبارك الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله وأمده بعونه ، ونصر به دينه – إنه خطاب تاريخي لا يملك أي مواطن بل كل مسلم إلا أن يقف على مضامينه ، كيف لا وهو الذي صدر من رجل حباه الله بجميل الصفات وكريم الخلال ، ومواقفه كانت ولا زالت على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية ، العامة والخاصة مثار الإعجاب من القاصي والداني والقريب والبعيد ، والشقيق والصديق ، والمواطن والعربي المسلم في أي بقعة ، وعلى أي مكان .
هذا الخطاب جاء في وقته ، وفي وقت تترقب فيه الأمة مثل هذه المبادرات وقد أضنتها الحروب والنزاعات ، وفرقتها المصالح والقوميات ، وعانت من الويلات ، فجاءت المبادرة بلسماً شافياً ، ورؤية واضحة ، وقولاً وفعلاً ، وحوت تلك المبادرة الرائدة لملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله وأيده – دلالات عظيمة ، ومحاور عديدة ، تُعد مرتكزات أساسية لترميم الصف العربي وتصفية القلوب وتوحيد الكلمة .
ولذا فإنها مبادرة رائدة ، وعمل مبارك ، وجهد عظيم يستحق التأمل والوقوف عند مضامينه ، فهي مبادرة تهم المسلم باعتبار أنه جزء من هذه الأمة التي عصفت بها الفتن ، وفرقتها الخلافات ليتحمل مسؤوليته تجاه دينه وعقيدته، وتجاه نفسه ، وتجاه أمته ، باعتبار أنه عضو فاعل في جمع الكلمة ووحدة الصف ، وتوحيد الشمل ، وتهم المواطن باعتباره فرداً من أفراد هذا الوطن الإسلامي الذي منَّ الله عليه بهذه القيادة الحكيمة التي يمتلك قائدها حساً إنسانياً رفيعاً ، وروحاً إسلامية عالية ، وهماً تجاه أمة الإسلام والعرب ، بل وتجاه أمم الأرض جميعاً ، فها هو من خلال هذه المبادرة يشير إلى حقيقة أصيلة في سياسته ، وهو أنه ذو نزعة جماعية ، وتمسك بثوابت الإسلام ومبادئه ، ينطلق منها إلى أفق بعيد تتعلق به آمال الشعوب الإنسانية لتتجنب الصراعات والعنف والدموية .
إنها رؤية متوازنة ، ونظرة ثاقبة ، ودعوة من قيادة بلد السلام إلى العالم أجمع ، أنه مهما توسعت الهوة ، وقوى الخلاف والاختلاف ، وساد منطلق الصراع والنزاع فإن في همم الرجال ، ومواقف الأبطال ، وقدرات العقول ما يمكن من التغلب على الصعوبات ، ويصحح الأخطاء ويقوم العوج على اعتبار أن فهم تعقيدات الواقع تتجاوز بتلك العقول صعوبات كبيرة وعقبات كأداء ، تقف في هذا الطريق الهام .
لقد استهل المليك المفدى هذه المبادرة بأمل كبير في الله جل وعلا ثم في المجتمعين من القادة وصناع القرار في البلاد العربية المسلمة أن لا تكون القمة تنظيراً لا فائدة له ، ولا آمالاً تضيع ، ونتائج قد تفشل ، وإنما أقوال تعقبها أفعال، وآمال تصنعها أفعال الرجال ، وتتحول إلى واقع غير محال ، وبحس المسلم ، وبصره في الأدلة الشرعية ، وما تتضمنه من قواعد وأحكام يبرز ملكينا المفدى مرتكزاً هاماً للمعالجة ، وهو أن الأزمات التي عانى منها العالم ولا سيما أزمة الاقتصاد والمال شأن هام ، وهم خطير لكن الأخطر منه والأهم ما يحصل للكرامة والأنفس المسلمة المعصومة التي تهدر في أرض فلسطين وغيرها ، فالاقتصاد مهما كانت أهميته لا يمكن أن يساوي الحياة نفسها ، ولا الكرامة ، فشأن الدماء عظيم عند الله ، ولذلك كانت الشرائع ومنها شريعة الإسلام مشتملة على تحقيق المصالح ودرء المفاسد ، ومدارها على حفظ الضرورات ، التي اتفقت الشرائع والعقول على رعايتها والحفاظ عليها وتأكيد كرامتها .
وقد شرعت العقوبات المختلفة لتكون زاجراً عن اقتراف ما يضر الدين والعقل والنفس والمال والعرض ، والنفوس في مقدمة هذه الضرورات ؛ ولذلك رتب الله على القتل ما لم يرد نظيره في العقوبات الأخرى التي هي دون الشرك ، فقال سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) أربع عقوبات كل واحدة منها توجل القلب ، وتفزع النفس ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في المتفق عليه: (أول ما يقضي بين الناس في الدماء يوم القيامة) ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي المقتول معلقاً رأسه بإحدى يديه متلبباً قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دماً حتى يأتي العرض) ، فيقول المقتول : يارب هذا قتلني فيقول الله للقاتل : تعست ، أي هلكت ، ويذهب به إلى النار ، رواه الترمذي والطبراني ، وقال : الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار به) ، وقال: (لزوال الدنيا أهون على الله من إراقة دم امرئ مسلم ، وفي قتل النفوس المعصومة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرج رائحة الجنة) ، فهذه النصوص وما فيها استشعرها إمامنا وهو يقدم هذه الحقيقة أمام العالم أجمع ، فما يرى ويشاهد من المناظر البشعة الدامية على يد عصابة الإجرام والقتل في فلسطين ، تلك العصابة التي لا مكان في قلوبها للرحمة تتعلق بضرورة النفوس ، ولا يليق بالمسلمين أن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون هذا الانتهاك الصارخ الذي لم يبن على شرع ولا عقل ولا رحمة ولا مبدأ ، وإنما يصدر عن حقد دفين ، ويلفت خادم الحرمين الشريفين نظهر الصهاينة إلى أنهم خالفوا حتى مبادئ دينهم ، ونصوص توراتهم ، ويحاجهم في دينهم ، ففي التوراة : العين بالعين ، ولم تقل إن العين بمدينة كاملة من العيون ، الله أكبر ما أعظمه من بيان ، وما أقواها من حجة ، فإن كان الدافع لهذا الجور ما تزعمه إسرائيل من الانتقام وحماية نفسها فليكن على مبدأ العدل ، وما هو في التوراة هو ما ذكره الله عنهم في كتابه في قوله : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) .
أما المحور الثاني الذي تضمنه هذا الخطاب الملكي والمبادرة الرائدة فهو تحديد المدى الذي تصلح فيه المبادرة العربية للسلام ، فلئن كان المسلمون ينطلقون في تعاملهم مع غيرهم من مبادئ شرعية ، تبنى على العدل والسلم ورعاية العهد ، ويقبلون بالتعايش الذي يبنى على هذه الأسس فلا يمكن أن تبقى من طرف واحد ، وتقبل بصورة أحادية ، وإلا كانت ذلاً وضعفاً وهواناً لا يقبله مسلم ، فلابد من قبول الطرف الآخر ، ورعايته لما يتضمنه هذا العهد حتى يكون سلاماً حقيقياً ، ولذا فإن مبادرة السلام العربية المطروحة لن تبقى على الطاولة إلى الأبد .
إنه موقف العزة والكرامة ، الذي حمده كل لسان ، وذكرت مضامينه بكل زاوية ، واستشعر معناه كل عربي مسلم ، فسدد الله مليكنا المبارك ، وجعله من أنصار دينه ، وأعز به أمة الإسلام .
أما المحور الثالث فما أعظمه وأجله من محور ،وما أكبر دلالته في هذا الظرف خصوصاً وفي عموم الأوقات ، إنه المقصد الرئيس في الإسلام الذي يلمحه المتأمل في جوانب عديدة ، وأحكام كثيرة ، من أركان الإسلام إلى تفاصيل الفروع وجزئياتها ، إنه الألفة والاجتماع والاعتصام بحبل الله . ونبذ الفرقة والخلاف والاختلاف ، حث الله عليه وأمر به وأوصانا بأن نتمسك بحبله ، فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، وقال مبرئاً رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين تبع له من أن يكونوا من أمة التفرق والتخرب (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون) .
ويمتن الله على رسوله بحصول هذه الألفة ، وأنه لولا فضل الله لم تكن ، فقال: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وبين الله في آية ثالثة أن الفرقة والاختلاف سبب لضعف الأمة بل وفشلها وذهاب الهيبة ، فقال سبحانه: ( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فيأتي قائدنا وملكينا المسدد الموفق مترسماً هذه النصوص وأمثالها ، ويجسد هذا الهم في خطابه ، ثم يرسمه في فعله ، فتظهر للعالم هذه الصورة المثالية التي يفخر بها كل مسلم ، ويبدأ بالأشقاء الفلسطينيين ليظهر لهم أن عداوة إسرائيل لا تستغرب وخطرها لا مزايدة عليه ، ليس عليهم بل على الأمة الإسلامية ، لكن الأخطر من هذا والأشد فرقتهم التي هي من أعظم أسباب الهزيمة ، وصدق يحفظه الله فإسرائيل تستغل هذه الفرقة ، وترى في الفلسطينيين وتفرقهم صورة تعينهم على التوغل والاحتلال ، ومزيد من القتل والدمار ، فما لم تتوحد كلمتهم ، ويصدروا في تصرفاتهم عن اجتماع وإلفة فإن هذا الخطر أعظم من خطر العدو ، وهذا مادلت عليه النصوص ، فالله تعالى يقول: (فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ، ويقول سبحانه: (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) لقد وقع في الصدر الأول الاختلاف وكان سبباً في هزيمة حصلت للصحابة ، وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبل وصل الأعداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسروا رباعيته ، وشجوا وجهه الشريف ، وذلك حينما اختلف الرماة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا الاختلاف شر ، وهو سبب لما تعاني منه أمة الإسلام .
ثم لمس هذا القائد العربي الجراح ، وتجاوز المواقف الدفاعية والتبريرات إلى رؤية مفعمة بالإخلاص والصدق ، والنصح للأمة ، وتحمل المسؤولية الكاملة فيخاطب إخوانه القادة بخطاب يفيض نصحاً وصدقاً ، وصراحة ووضوحاً ، ويحمل أملاً وعملاً ، ويبدد إحباطاً ويأساً عن الأمة في هذا الواقع المحزن الملئ الذي كان يقضي على هيبة الأمة ، ويبدد وحدتها ، يخاطبهم بمنتهى الشفافية مبيناً – يحفظه الله – أن المسؤولية يتحملها القادة عن الوهن الذي أصاب الأمة، ولذلك باسم الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ ، وباسم الدم المسفوح ظلماً وباسم الكرامة والإباء ناشد الجميع أن يتعالوا على المصالح ، ويتجاوزوا الجراح ، ويسموا على خلافاتهم ليحققوا المصالحة الشاملة ، التي تسر المسلمين ، وتنغص وتكدر على الأعداء وعلى رأسهم إسرائيل ، ويا سبحان الله ، تصل هذه الكلمات إلى قلوب القادة ، ويحقق الله الوعد للصادقين ، وتكون المفاجأة التي تسر كل مسلم فيستجيب القادة وبسرعة غير متوقعة لهذا القائد الحكيم ، ويتوافدون إلى مقر إقامته لينقلوا للشعوب والأمة جميعاً صورة فريدة ، ومناخاً حقيقياً أثرت فيه صراحة مليكنا ، وصدقه ، وشفافيته ومصداقيته ، وتصفوا النفوس ، وتنطلق إلى تحقيق الآمال والطموحات .نعم لقد أثبت مليكنا المحبوب أن الإيمان والعزيمة والإخلاص تفعل ما يعتقد الآخرون استحالة فعله ، وأن التأريخ يمكن أن يسجل لحظات لا يمكن أن تغفل ، فالحمد لله على فضله ونشكره على ما من به، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
وبهذه المفاجأة السارة التي أحدثها الخطاب التاريخي ينفذ المليك إلى الفعل ، ويفتح صفحة بيضاء ناصعة في باب الأخوة والوحدة لكل العرب بدون استثناء ، ويعلن رعاه الله كثمرة من ثمار هذا التوحد وهذا الشعور بشعور الجسد الواحد مشاركة الإخوة الفلسطينيين بتبرع يخفف آلامهم ، ويحقق آمالهم ، ويضمد جراحهم ، وتخرج هذه القمة النادرة التاريخية بنتائج تخرجها عن النمطية المعهودة إلى نادرة تاريخية ، تعيد للعمل الإسلامي حيويته ورونقه وبهاءه ، وتقطع الطريق على كل مغرض وحاقد .
وبعد : فإننا كمواطنين شرفنا بالانتماء إلى هذا الوطن ، وشعرنا بالفخر بقادتنا الأوفياء ، وعشنا كما عاش الجميع هذه اللحظات الحاسمة في قمة العز والسلام قمة الكويت الشقيق ، لا يسعنا إلا نرفع شكرنا وثناءنا لله عز وجل أولاً وأخيراً ، فهو الذي مَنَّ بهذه النعم المتوالية: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) وهو الذي سدد مليكنا بهذه المواقف السديدة .
ثم إني أقول : إن من حق مليكنا على كل مواطن وكل مسلم أن يلهج بالثناء والدعاء بأن يحفظه الله قائداً موفقاً ، وإماماً مسدداً ، وملكاً ناصراً لدين الله ، قائماً بمسؤوليته خير قيام ، وأن يديم عليه نعمه ، ويسبغ عليه فضله ، ويكلأه برعاية ، ويطيل في عمره ، ويمده بالمزيد من الصحة والعون والتوفيق.
دلالات قوية
أما وكيل الجامعة د.عبدالله بن عبدالرحمن الشثري فقد أكد أنه إذا أصيبت الأمة بكارثة من كوارث الزمان ووجد فيها من يتألم لتلك الكارثة ويهتز قلبه، فذلك دليل قوي على حيوية الأمة ورشدها ومقياس صحيح لرقيها وتقدمها ونهضتها وأن الخير فيها باقٍ إلى قيام الساعة.
ويشهد كل من سمع خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله ورعاه- الذي ألقاه في افتتاح مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية (قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة) الذي عقد في الكويت، يشهد كل من سمع خطاب الملك وقرأه وتأمله أنه أمة تخاطب أمة؛ لما يحمله من مضامين إسلامية واضحة وفق منهاج الشريعة الإسلامية بكلمات موجزة مختصرة، ذات معانٍ عميقة، ودلالاتٍ قوية.
ألقاه الملك بعقل راجح وعزيمة قوية ونظر ثاقب للأحداث، ورأي مسدد، أظهرت كلمات الخطاب جوانب العظمة في حياة الملك، وغَيرته الإسلامية لما يقع على المسلمين من الظلم والحيف.
ألقاه الملك بقلب مفعم بالرحمة، ينطق بالحق لأهل غزة المنكوبين، بقلب كله رأي وبصيرة ، وبصيرة كلها نور وإشراق. خطاب الملك كلمة حق للعالم، اقتضاه الدين وحقوق أخوة المسلمين، لقد قام بواجبه بين إخوانه وأشقائه رؤساء الدول العربية لبيان موقف المملكة وهو منهج الإسلام الذي يستوجب على المسلمين الوقوف مع إخوانهم في مأساة غزة المفجعة، وبرهن أن ما يطمح إليه هو عز الإسلام ونصرة المسلمين ورفع الذل عنهم.
إن الذي بلغ بخطاب الملك تلك المكانة الإسلامية أربعة أشياء: استعداد قوي، ونظر ثاقب بعيد، ونفس كبيرة، ورأي حاسم، في ظل المحن والشدائد المتتابعة، والنوازل المتتالية، وكلها تصب في نصرة دين الله، فمن كان كذلك نصره الله وأيده وأعانه، مصداقاً لقوله سبحانه: (يَا أيهُا الذَّين آمنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُرُكُمْ ويُثَبِّت أقْدَامَكُمْ).
لا عجب لوفاء هذا الملك وهمته العالية في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها أمة الإسلام، إنها همة تسمو فوق الهمم، فقد وهبه الله قدرة على جمع هذا الشتات في وقت تقطعت فيه الصِّلات وتباعدت فيه العلاقات، لقد قال الملك المفدى كلمه الحق التي يجب أن تقال في مكانها وزمانها بأوجز عبارة وأبلغ بيان.
أكد الملك – حفظه الله– في خطابه على أهمية اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وترك الاختلاف والتنازع، وهذا أصل من أصول الشريعة دل عليه الكتاب والسنة، حيث قال ربنا سبحانه: (وَاعتصمُوا بِحَبْلِ اللهِ جميعاً وَلا تَفَرَّقُوا)، وقال جل ذكره: (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيِحُكُم واصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين)، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ((من أراد منكم بحبحة الجنة فيلزم الجماعة))، أخرجه أحمد والترمذي، وقال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه– (عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وأن ما تكرهون في الجماعة والطاعة، خير مما تحبون في الفرقة).
وما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين – وفقه الله – هو استجابة لأمر الله الدال على أهمية الاجتماع وبيان فضله، وخاصة عند اشتداد الأزمات وحلول النوازل، في هذا الوقت الذي تمر فيه أمة الإسلام بمحن كثيرة، وظروف شديدة، ومخاطر محيطة، وبالاجتماع والاتفاق تتكامل القوى وبتماسك البنيان، ويثبت الأمن، وتستقر الحياة، وتنتظم الشؤون بين الناس، ويعيش الناس في حياة سعيدة، يعبدون الله على بصيرة، ويتقربون إليه بضروب الأعمال الصالحة التي تُقوي اجتماعهم، وتوحد صفهم، وتحميهم من خطر أعدائهم.
ومن الحقائق الثابتة التي أشار إليها خادم الحرمين – حفظه الله– أن لهذا الدين أعداء يتربصون به الدوائر، وهؤلاء الأعداء لا يغيظهم شيء إلا إذا رأوا المسلمين متآلفة قلوبهم، متحدة قوتهم، مجتمعة كلمتهم، ولا يسرهم شيء كسرورهم حين يرون المسلمين متفرقين مختلفين فيما بينهم، وحين يرون تفرق المسلمين، فإنهم يجدون الثغرات التي ينفذون منها إلى مآربهم الشريرة التي يريدون تحقيقها، فالاجتماع رحمة ونعمة من الله على عبادة، وكل فرد من المسلمين مسؤول عن تحقيقه بالإخلاص لله، والعمل فيما يرضيه والتعاون مع إخوانه المسلمين على البر والتقوى.
خطاب الملك المفدى أقام الحجة بالدليل والبرهان، وتوج ذلك وأعلنه على الملأ بكل صراحة ووضوح باسم أبنائه في المملكة العربية السعودية بتبرع المملكة بمليار دولار مساهمة في البرنامج المقترح من القمة لإعادة إعمار غزة، فجزا الله خادم الحرمين عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأمده بعونه وتوفيقه وجعله مباركاً في حياته ورفع ذكره في الدنيا الآخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.