لأن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ملك الإنسانية والسلام، الذي يقدس دينه ويعشق وطنه، المحب لشعبه، اتخذ منهج الحوار وسيلة لسياسته من خلاله تتوحد الرؤى، وترسم خارطة طريق لمستقبل أفضل. والحوار مع الذات.. هذا المنهج الذي أطلقه حفظه الله خلال موسم حج هذا العام 1429ه في كلمته الضافية التي ألقاها أمام ضيوف المملكة من الملوك والرؤساء وكبار الشخصيات التي أدت فريضة الحج، بعد أن أطلق العام الماضي حوار الأديان لم يكن وليد اللحظة بل كان في فكره، وبعقلية قائد حكيم لبلورة سياسة سلام جديدة، يُسار عليها، وتصدر للأمم والدول والشعوب. ومن هنا انطلقت خطوات عودة العلاقات السعودية القطرية لسابق عهدها، بل أكثر متانة. ولأن المملكة العربية السعودية وقطر تدركان أن سنوات الفتور الماضية وغشاوتها لابد لها وأن تنتهي بالحوار الصادق مع الذات، ثم مع بعضهما بتحكيم العقل، وتفويت الفرصة على الصائدين في الماء العكر للتسلل وتوسيع الفجوة الخلافية بينهما، عكس اللقاء الذي تم بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخيه صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر حفظهما الله في شهر رمضان عام 1428ه، والزيارة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد حفظه الله للدوحة خلال شهر ربيع الأول هذا العام 1429ه صورة الإسلام الحقيقية هذا الدين الذي يجمع بين البلدين، وكرس مفهومه الداعي للتسامح والسلام والتعايش بوحدة في المواقف وأمن مشترك، وكان له الأثر البالغ في فتح صفحة جديدة من العلاقات المتجذرة بين البلدين والشعبين الشقيقين، وأثمر عن تكوين مجلس التنسيق السعودي القطري المشترك برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد عن الجانب السعودي، وسمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ولي عهد قطر عن الجانب القطري. ولاشك بأن مجلساً تترأسه شخصيتان بهذا الثقل القيادي فيه دلالة الاصرار على تجاوز كل الظروف السابقة، وتعزيز مسيرة التعاون والتواصل بفكر حضاري. وكان للعلاقات الأخوية الصادقة، والنية السليمة الصافية بين قيادتي البلدين أثرها أيضاً في قوة التقارب الحديث والتطلع لآفاق جديدة بينهما تبرز عمق العلاقات، وتشكل منعطفاً تاريخياً، وتدفع بعجلة مسيرة التكامل خطوات للأمام نحو آفاق أرحب في اطار بوتقة عمل مؤسساتي عصري يحتوي مصالح البلدين لرسم مستقبل مشرق زاهر يكون امتداداً لماضٍ تليد ويراعي تطلعات الشعبين. هذه المعطيات شكلت واقعاً تم من خلاله وضع أولى لبنات بناء المستقبل في الاجتماع الأول للمجلس التنسيقي المشترك الذي عقد في الرياض يوم الثلاثاء الماضي برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية نائب رئيس المجلس عن الجانب السعودي، وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ولي عهد قطر رئيس المجلس عن الجانب القطري، بعد أن توصل الى التوقيع على ست اتفاقيات كانت بمثابة لبنات مبدئية في مسيرة التنسيق على طريق العلاقات المستقبلية الثنائية وتطويرها التي تستطيع ان تواجه التحديات العالمية سياسياً وأمنياً ومالياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً. ومن المهم بمكان الادراك بأن العلاقات بين البلدين الشقيقين لم تكن من صنع اليوم، بل هي مترسخة ومتعمقة وتمتد جذورها ثابتة منذ القدم، يجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين مصير مشترك وروابط أخوية وطيدة وصلات قربى وجيرة أكسبها متانة وقوة وتماسكاً ورقياً في التعامل. ونحن على ثقة تامة أن هذا الحوار، وهذا التقارب بين السعودية وقطر سيزيد من التلاحم، ويصب في بوتقة التفاهم المشترك، ويوحد رؤى البلدين في القضايا الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، وفي اطار مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي وسيكون أنموذجاً للحوار الذي يبدأ من ومع الذات، ويتواصل مع الآخر.