تناول إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد المسلمين في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام أمس منافع الحج واسرار شعائره كونه فريضة محكمة وركناً من أركان الإسلام وبأنه أكبر نفقة وأكبر مشقة وأعظم تضحية والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (ومن حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) مبينا أن الحج رحلة العمر والحياة إلى بيت الله الحرام تقترن به زيارة مباركة إلى مسجد رسول صلى الله عليه وسلم 0 ودعا فضيلته الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الحجاج حجهم وأن يحسن عملهم وأن يجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكوراً وأن يعودوا إلى أوطانهم سالمين غانمين متقبلة أعمالهم 0 وبين الدكتور بن حميد أن شعائر الإسلام الصلاة والصيام والزكاة والحج تتجلى فيها جميعا وحدة المسلمين واتحاد شعائرهم ومشاعرهم تؤدى كلها في أوقات معلومة والشعائر ظاهرة ليس لأحد أن يزيد فيها أو ينقص وأن شعائر الإسلام تجمع المسلمين على توجه واحد وتوحيد واحد وممارسة واحدة يستشعرون معاني الإخوة والمشاركة ويشعرون بعظمة التجمع في مسجد الحي ومسجد الجمعة الجامع والمسجد الحرام والمشاعر العظام والمسجد النبوي الشريف مؤكدا بأن الحاج يجتمع له ذلك كله في رحلته المقدسة من صلاة ونفقة وسفر ورفقة ينخلع عن أهله وولده وبيته وعمله وراحته لأيام عظيمة ونفحات إيمانية ومشاعر دفاقة أيام إقبال على الله وابتغاء مرضاته في أماكن طاهرة ومقدسة يتجرد فيها عن الدنيا ومظاهرها ويتطرق أبواب الرحمة والمغفرة ويتعرض إلى نفحات ربه في هذه المواقف الشريفة في عرفة والمشعر الحرام ورمي الجمار والطواف بالبيت المحرم وبين الصفا والمروة، أيام حج مباركة وأعمال من الطاعات والقربات يتوافد فيها الحجيج يحملهم طهر ويحدوهم الأمل من رب كريم في مظهر فريد في دنيا البشر لا نظير له ولا مثيل في أي مكان أو أي زمان إلا لأهل الإسلام 0 وقال فضيلة الشيخ بن حميد ( إن ملايين البشر من المسلمين اعتزلوا ما ألفوا الكل في موقف واحد آوتهم الخيام وتجردوا من ثياب الترف والزينة، ولئن كانوا في ديارهم يمثلون أذواقاً مختلفة وأنماطاً متغايرة وعادات متباينة وأصواتاً متفاوتة ولغات ولهجات متنوعة فإنهم في يوم عرفة لونهم البياض ولباسهم إزار ورداء ولغتهم التلبية والتسبيح والتكبير والتهليل والدعاء والاستغفار ومشاعرهم مشاعر الضراعة والقرب والابتهال في القلوب إيمان وفي الألسنة ذكر وفي المشاعر رغبات وآمال بالفوز والنجاة والقبول والمغفرة) 0 وأضاف فضيلته (إن من شهود منافع الحج والنظر في حكم التشريع وأسرار الدين ما أعلنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم عرفة في حجة الوداع من معالم الإسلام ومبادئه العظام ومما تقتضيه المناسبة ما ذكره من شأن المال ونظامه وتنظيمه وعالم اليوم يعيش أزمة مالية خانقة لقد قال عليه الصلاة والسلام فيما قال في هذا اليوم والمشهد الكبير (كل ربا موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وفي نظرة موجزة لما عليه نظام المال واقتصاده في الإسلام يتبين أين الخلل وأين المشكلة وأين الحل). واوضح ان المال له دائرتان دائرة الكسب ودائرة الإنفاق مشيرا الى أن دائرة الكسب هي إحدى صور العمل ومن كد وعمل فهو حقيق أن ينال جزاء عمله وكسبه من جهده المبذول حسب قدرته وخبراته العلمية والبدنية والعقلية . الاقتصاد ليس وحدات حسابية ومضى فضيلته بقوله (إن القدرات والخبرات والقوى تختلف بين الناس اختلافاً بيناً ومن هنا فان مكاسبهم ونتائج أعمالهم واستحقاقاتهم تختلف كذلك وفي ميدان العمل والكسب فإن الإسلام يفرق بين الحلال والحرام فكل درهم يأخذه الإنسان من غير وجه فهو حرام وسحت وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به من غش وظلم وكذب وتدليس وكتمان واحتكار والمال لا ينتج مال والزمن لا يمنح ريحا وإنما يكسب المال بالعمل والجهد والكد وكل تعد على الآخرين وارتكاب الحيل للإستحواذ على أعمال الناس سحت وحرام ممنوع في شرع الله ودينه وجمع المال واكتنازه من غير أداء حق الله فيه مسلك في الشرع ممنوع ناهيكم بما يجب التحلي به من الأخلاق العالية والقيم الرفيعة والصدقة والبذل والإحسان والرفق والسماحة بالبيع والشراء وحسن الأداء والقضاء). وشرح فضيلته الدائرة الثانية وهي دائرة الإنفاق موضحاً أن دين الإسلام يدعو إلى الإنفاق من غير سرف ولا تقتير بل نهجه النهج القويم مما يبني ثقافة الصرف والإستهلاك الرشيد، إنفاق يحارب البذخ والسرف والخيلاء والشح والتقتير مما يذهب بالمال من غير وجه ويورث الحسد والبغضاء ويوقع في الفحشاء 0 وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الاقتصاد ليس وحدات حسابية أو تعظيماً للربح والمنفعة العاجلة والنهم والجشع على حساب الحق والعدل والرحمة والصدق والرفق وحسن التعامل ويكفي من مظاهر الظلم تسريح العمال وازدياد البطالة وإذا زاد الإنتاج القوا بالفائض في البحر أو في النار حرقاً وغرقاً حتى لا ترخص الأسعار وحتى لا يحين الرخاء ولو مات العالم جوعاً وعرياً ناهيكم عن العبث بالأسواق والأسعار وسوء استخدام أجهزة الإعلام لتحقيق المكاسب الحرام وخداع عباد الله . وتساءل فضيلته ماذا يصنع من يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ورع يحجزه عن ما حرم الله وحلم يضبط به جهله وحسن صحبة لمن يصحب فلا تحقرن من المعروف شيئا فجنات عدن أعدها الله للذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين . ودعا فضيلته حجاج بيت الله إلى حفظ حقوق الإخوان والالتزام بآداب الإسلام فان ذلك يمحو آثار الذنوب وظلمة الآثام فيتحرى الحاج كل بر ويتباعد عن كل منكر تقرباً إلى الله وأخوة للمؤمنين , مشيراً إلى أن الحج في وفوده وحشوده تأكيدا لهذه الارتباطات وتجسيداً لتلك المشاعر صفوف في الأبدان وشهود في الأفئدة لأن الحج رمز الوحدة والتوحيد وعنوان البذل والتضحية وملتقى المسلمين الأكبر يوم الحج الأكبر . وقال (إن من لطف الله ورحمته وفضله ومنه أنه لما سهل التواصل في هذا الزمان وصارت الحشود القاصدة لهذا البيت الحرام الأمة لهذه المشاعر تزداد العام تلو العام والموسم بعد الموسم قيض الله للحرمين الشريفين ولاة وخداماً في دولة الوحدة والتوحيد مما يتواكب مع هذه المواكب المتزايدة والوفود الوافدة ، لقد شرف الله أهل هذه البلاد قيادة وشعبا لخدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما والانتساب إلى هذه البقاع الطاهرة والالتزام بشرع الله كتاباً وسنة وأن من أشرف مسؤوليات هذه البلاد خدمة الإسلام والمسلمين ورعاية الحرمين الشريفين والبقاع المقدسة لتكون كما أخبر الله سبحانه وتعالى مثابة للناس وأمناً) تحقيق مقاصد الشرع وأكد فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد إن ولاة الأمر في هذه البلاد يبذلون الغالي والنفيس من أجل خدمة ضيوف الرحمن وقاصدي الحرمين الشريفين وخدمتهما وأداء المناسك بيسر وسهولة وأمان واطمئنان ابتغاء مرضاة الله وفضله يجسد ذلك تلكم المشاريع الجبارة والتوسعات المتتالية في الحرمين والمشاعر مشروعات وخدمات يتحقق من خلالها مقاصد الشرع ويتيسر معها أداء العبادات والطاعات وتلبية النداء الطهر (وأذن في الناس بالحج) . وأبان فضيلته بأن الدولة بأجهزتها في حالة استنفار ليكون البذل بقدر النداء وإن أهل هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين قيادة وشعباً يرون في خدمة الدين والمسلمين شرفاً لا يطاوله شرف ورعاية الأماكن الطاهرة غاية عظمى تتطاول لها الهامات وتسخر من أجلها الأموال والثروات ويتفانى السعوديون بكل ما أوتوا من قوة وما يملكون من طاقة مشروعات وخدمات تنتظم كل المواقع والأماكن وتدخل في أدق التفاصيل والمسالك ، مشروعات يبتغى بها وجه الله بعيداً عن المقاصد الإعلامية أو الأغراض السياسية أو الاقتصادية ، مشروعات وخدمات تتم وفق خطط مدروسة ورؤى بعيدة ناهيكم بالأجهزة والإدارات الخاصة بالحرمين الشريفين ومشروعاتهما وخططهما وقوى أمن الحج والمواسم ومراكز البحوث العلمية مما يجسد الاستمرار والدوام والمتابعة في هذه الخدمة الشريفة والرعاية الكريمة في ضخامة من الجهود وسمو من الأهداف بارك الله في الجهود وسدد الخطى وأحسن المثوبة واجزل الأجور . فتنة الأهل والمال وفي المدينةالمنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي المسلمين أن يعتبروا ويتفكروا في تقلب الليل والنهار وانقضاء الأعمار وبغتة الآجال وغرور الآمال وفتنة الأهل والمال وسرعة تعاقب السنين والانخداع بزخرف الدنيا والانهماك في ملذاتها وقد آذنت بالزوال. وقال في خطبة الجمعة أمس لو تفكروا واعتبروا في ذلك لاصلحوا الأعمال وقدموا لآخرتهم الحسنات وكفوا عن السيئات ولكان همهم حُسن المآل وعاقبة الأحوال ولنزعوا من شر الأخلاق إلى أفضل الخصال ، لكن النفس والخلل في الاعتقاد والأعمال والأقوال بما يرد على القلوب من الشهوات والشبهات وضعف العزائم والإرادات في أداء الفرائض والواجبات والوقوع في المحرمات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) . وأضاف فضيلته يقول (يا من أغتر بالنعم ويا من لم يُساكن قلبه الندم يا من تجرأ على ذي المجد والكرم يا من نسي الموت وفجأته ويا من نسي القبر وظلمته والصراط وزلته ؛ اتق الله في نفسك فلن تطيق بطش الله وعقوبته واعلم أن سبيل النجاة واحد لا ثاني له وهو ما سلكه السلف الصالح ، فإن اقتفيت آثارهم كنت من الفائزين وإن خالفتهم كنت من الهالكين. أين نحن من أولئك السلف الصالح الذين رفعهم الله درجات وجعلهم قدوة في الصالحات طهرتهم العبادات وزكتهم أعمالهم ولم يتدنسوا بالسيئات؟! ). وأهاب الشيخ الحذيفي بمن كان على نهجهم بأن يحمد الله ويسأله الثبات على دينه ومن كان مقصراً والتقصير واقع من كل احد فليجتهد ليكون معهم ومن كان مخالفاً لهم فليتب إلى الله قبل الموت ويتمسك بالكتاب والسنة و، يعرف حال السلف الصالح ويحبهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المرء مع من أحب ) ، وكذلك أن يعمل بما عملوا وبما نقل عنهم من الوصايا الخالدة والحكم النافعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال الله تعالى يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم قال نعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي امكثوا فيها خالدين مخلدين ثم يقول لأهل النار كلم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فيقول بئس ما أتجرتم في يوم أو بعض يوم سخطي ومعصيتي وناري امكثوا فيها خالدين مخلدين) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) ، وكان بن عمر يقول (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (قال لرجل يعظه اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك) ، واغتنامها للعمل الصالح ، وقال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه في الدنيا (إنها لدار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها متجر أولياء الله اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة) ، وقال الحسن (نعم الدار كانت الدنيا للمؤمن وذلك أنه عمل قليلاً وأخذ زاده منها إلى الجنة وبئس الدار كانت للكافر والمنافق وذلك أنه ضيع لياليها وكانت زاده إلى النار). قال الله تعالى (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) .