استطاع القاص علي السعلي أن يعبر إلى آفاق الماضي البعيد والغوص في الأزقة من خلال استحضار صور العيد ومشاهده في تلك القرى وفي الأمسية القصصية التي أدارها ناصر بن محمد العمري رئيس النشاط الثقافي بتعليم المخواة ثم بدأ في التعريف بفارس الأمسية من خلال قراءة السيرة الذاتية للقاص علي بن حسين الزهراني بعد ذلك ألقى القاص علي السعلي (عدداً من نصوصه ) منها نص (عيد الدام) الذي تحدث فيه عن الكثير من الصور والمشاهد المستلة من الماضي البعيد وعرج من خلاله على الكثير من المواقف التي تحكي عن شجاعة الرجال وغاص بالحضور في أعماق الماضي حيث نقل مقاطع من تلك الأيام بلغة سردية ماتعة استحضرت الوادي والسهل والجبل وأهازيج الرعاة ولم تكتف بوصف حركة الناس وممارساتهم بل جاءت في ثنايا السرد القصصي الممتع بما كان سائداً من أمراض (كمرض السابع) الذي كان منتشراً في السابق وحكى بإمتاع معاناة المريض معه في سبع ليال كانت أصنافا من الألم مستغلا بذكاء هذه الحالة التي يعيشها بطل القصة ليوسع دائرة المشهد القصصي ويجعله يستوعب أكثر من جانب حياتي معاش في الماضي حيث استغل الحالة المرضية التي عاشها بطل القصة ليستحضر موائد الطعام التي كانت سائدة في الزمن الماضي مستغلا حالة المريض النفسية التي تعاف الطعام ليذكرنا بأصناف الأطعمة وكيف يتم إعدادها في أقل عدد ممكن من الكلمات وبلغة آسرة ووسط قدرة مدهشة يمتلكها القاص علي حسين الزهراني على الأداء المسرحي والقدرة على التجسيد والتنغيم وتغيير طبقة الصوت مجسدا الحالات المختلفة للشخوص بالقصة مستغلا مهاراته في الإلقاء وخبراته المسرحية المستمدة من كونه ممثلاً مسرحياً شارك في العديد من المناسبات المسرحية وقد استفاد كثيرا من مخزونه اللغوي في اختيار مفردات وجمل قادرة على ممارسة فعل التصوير بالكلمات والجمل ثم ختم القصة الجميلة بأهزوجة معبرة. وما أضفى المزيد من التفاعل من الحضور معها أن القاص تحول في تلك اللحظة إلى حادي ينشد الشعر بلحن آخاذ تفاعل معه الحضور بمتعة كبيرة . قصة خط الجنوب ثم ألقى بعد ذلك قصته (خط الجنوب) التي أتبع فيها اسلوبا مبتكرا وغير مطروق فقد كانت بطلتها (إمرأة) حكى على لسانها معاناتها مع خط الجنوب بفقد زوجها في حادث سير مؤلم وكيف تحولت فرحة العيد مع صويحباتها إلى مأتم . الجميل في هذه القصة الممتعة أن السارد هنا كان القاص على لسان المرأة وقد تقمص شخصية المرأة التي فقدت زوجها وكان يحكي بلسانها المفجوع وطاف بالحضور في تفاصيل دقيقة في حياة المرأة في الماضي وصنع منها حدثا طاف به في جوانب عدة من ملامح مجتمع النساء بتمكن كبير (حيث بمجرد إعلان العيد تجتمع نساء القرية في أحد البيوت للسهر والتزين بالحناء وإعداد الأطعمة) وقد اعتدنا أن يحكي الرجل عن عالم الرجال وتتحدث امرأة عن عوالم بنات وجنسها ويغوص كل منهما في عوالمه إلا أن القاص علي حسين السعلي خالف السائد هنا في هذه القصة بولوجه عالم المرأة وإقتحامه عوالمها والحديث على لسانها فأحدث بهذا التوجه تفردا يندر تكراره بعد ذلك ألقى قصة آخرى بعنوان (مزحة ثقيلة). تحدث فيها عن بعض المظاهر القديمة التي اختفت ومنها علوم السيرة والديرة منطلقا من تجربة شخصية حدثت له حيث في الصغر بمدينة الطائف التي شهدت خطواته الأولى نحو عالمه الخاص وقد أبدع في إحداث مايمكن تسميته (قصة القصة) أوماهو متعارف عليه في الأوساط الشعرية ب((لباعث ) و(المحفز) لخلق النص الأدبي حيث ساق قصة شخصية حدثت له جعلته يجنح لخلق هذه القصة وينسجها ليذكرنا بأن الأدب مايزال له وظيفته النفعية فهو من خلال هذه القصة ينتقد هامشية بعض الشباب وجهلهم ببعض مايجعلهم في مصاف الرجال الذين يعتمد عليهم وقد أجاد في نقد هذا الواقع بأسلوب ساخر. سرد وأهازيج وفي ختام القصة الرابعة عاد مجددا لإمتاع الجمهور بالمزاوجة بين السرد والأهازيج المحلية التي تفاعل معها الجمهور كثيرا مرددين معه المقطع الجميل الجميل من تلك الأهزوجة وبأداء طربي ولحني جميل . واستطاع فارس الأمسية كسر الرتابة التي اعتدناها في مثل هذه الامسيات ونجح القاص في أن يبني لفن القصة عوالم جديدة من التفاعل والتأثير والإدهاش والتعبيرية بتمكنه الكبير من خلق الأحداث والشخوص ومنطقية الأحداث والقدرة الفذة على توسيع دائرة الحدث بتمكن يمنع حدوث الإطالة أو حتى مايمكن وصفه بترهل القصة.