لم يصبح الفرنسي زين الدين زيدان نجماً عالمياً إلا عندما أحرز لقب بطولة العالم مع الديوك الزرق في 12 يوليو 1998. لقد كان «زيزو» موهبة فرنسية ساطعة يتميز عن زملائه بمسافات، لكنه دخل تاريخ اللعبة عندما سجل الهدفين الشهيرين برأسه في مرمى الحارس البرازيلي تافاريل، ليحمل أحفاد الجنرال ديغول كأس العالم للمرة الوحيدة في تاريخهم. صورة مصغرة شاهدناها الأحد على ملعب «ارنست هابل» في فيينا، نجم صارخ يتوج بالذهب، وهو فرناندو توريس الذي كان العملة الأصعب في تشكيلة إسبانيا المتوجة بكأس أوروبا في مباراة نهائية شدت الأعصاب مع ألمانيا التي قادها ميكايل بالاك وجر نحسا يلازمه في المباريات النهائية إلى صفوف ال»ناسيونال مانشافت». صحيح أن توريس لم يكن هداف البطولة ولا حتى إسبانيا، إذ ذهب اللقب لزميله دافيد فيا الغائب الأكبر عن النهائي بسبب الإصابة، وهذا ما حصل مع زيدان عام 1998 الموقوف مباراتين بعد طرده أمام السعودية في الدور الأول، لكن «ال نينيو» كان مصدر الرعب الأول في تشكيلة المدرب لويس أراغونيس «قاطع الرؤوس» وأكبرها كان لمهاجم ريال مدريد راوول غونزاليس، لكن «حكيم هورتاليزا» كان واقعياً وحكيماً في آن معاً عندما غض النظر عن عصبية توريس لدى استبداله في كل مباراة ضمن البطولة، إذ اعتبر أن «توريس أهم لاعب في تشكيلتي وسينال مركزاً أساسياً في أي منتخب». ما الذي ميز توريس عن غيره من نجوم البطولة؟ اللائحة ليست طويلة لكنها ضمت أمثال الألماني بالاك، الروسي أندري أرشافين، التركي حميد التينتوب، الهولندي ويسلي سنايدر، الكرواتي لوكا مودريتش وغيرهم... واللافت أنه رغم نيل شافي هرنانديز لاعب وسط إسبانيا جائزة أفضل لاعب في البطولة، إلا أن اسم توريس هو الذي يبادر إلى الأذهان لدى مناقشة نجم البطولة. هدف واحد في مرمى ليمان المرتمي أرضاً والمدافع فيليب لام الذي فاته قطار توريس، صنع الفارق بين بالاك والمهاجم الأشقر صاحب النظرة الثاقبة. لقد كان بالاك بأمس الحاجة للقب، وأكثر من أي لاعب سواه. نحس المباريات النهائية لازم ابن ألمانياالشرقية منذ نهائي دوري أبطال أوروبا 2002 فخسره مع باير ليفركوزن أمام ريال مدريد الإسباني 1-3، وتكرر الأمر ذاته مع تشلسي الإنجليزي الموسم المنصرم، فخسر الذهب بركلات الترجيح أمام مواطنه مانشستر يونايتد، لكن الخيبة الأكبر تمثلت في مونديال 2002 الذي غاب فيه بالاك عن النهائي وعلق الميدالية الفضية في عنقه متفرجا على البرازيلي رونالدو وزملائه يحتفلون باللقب. سيبلغ بالاك الثانية والثلاثين في سبتمبر المقبل، الزمن يداهم عملاق الوسط، وبحال اعتزاله من دون لقب كبير سيشكل ذلك فجوة كبيرة في سيرته الذاتية، وبالتأكيد لن يدخل قائمة اللاعبين الذين طبعوا لعبة كرة القدم بطابعهم. من جهته، نال توريس (24 عاماً) مكافأة سريعة على مقوماته التي لا يمكن توقعها عند مشاهدة وجهه الطفولي وخديه الحمراوين وخجله الفائق، لكن بموازاة ذلك يتمتع لاعب أتلتيكو مدريد السابق ثم ليفربول الإنجليزي الحالي (انتقل إليه مقابل 30 مليون يورو) بموهبة خارقة، سرعة ومراوغات قاتلة، والأهم من ذلك كله تقنية نادرة جديرة بصانعي الألعاب الموهوبين. إنه لاعب يعشق الكؤوس، والكؤوس تعشقه، فمنذ أن زار صالة أتلتيكو مدريد التاريخية المدججة بالفضيات والذهبيات ، أعجب ابن التسعة أعوام بهذه العراقة، وبعد 15 عاماً أصبح «ال نينيو» في مصاف العمالقة الذين ردوا مجداً إسبانيا ضائعاً منذ ما يقارب النصف قرن. بقي توريس يلف ملعب «ارنست هابل» وعلى كتفيه العلم الأصفر والأحمر، ولم يتوقف سوى لإلزامه بالمشاركة في المؤتمر الصحافي الذي يلي المباراة النهائية، وهو أعرب عن حاجته لوقت طويل لكي يستوعب هذا الانتصار التاريخي المستحق. الكأس الأوروبية انتهت والقارة العجوز دخلت في عطلة صيفية تحتاجها لاستعادة الأنفاس، وعلى شفيرها سيبقى بالاك باحثاً عن المجد الضائع، في حين سيحاول توريس التأقلم مع موقعه الجديد في عائلة العظماء.