من الحقائق التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، طريقة ترجيح نوع الجنين، روى ثوبان، مولى رسول الله عليه السلام، قال: كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد الحديث بطوله إلى أن قال: جئت أسألك عن الولد؟ فقال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله، وفي هذه الجزئية من الحديث، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوضوح تام أن تحديد نوع الجنين ذكراً كان أو أنثى يكون بمشاركة الرجل والمرأة معاً، وليس بأحدهما فقط. ولقد أثارت هذه الجزئية من الحديث جدلاً واسعاً على مر الزمان، فافترض البعض الاشتباه على الراوي وأن المقصود كان الشبه وليس الذكورة والأنوثة، وحاول البعض الآخر لإيمانه بصدق الحديث التوفيق بينه وبين الأحاديث الواردة عن الشبه، وللأسف كان هذا الجدل سبباً للطعن في السنة المطهرة والتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخيراً أظهرت الأبحاث الطبية الحديثة، ليس فقط صحة هذه الجزئية ولكن أيضاً أنها تمثل إعجازاً نبوياً جديداً يضاف إلى معجزاته صلى الله عليه وسلم. إن المني هو ماء الرجل الذي يحمل الحيوانات المنوية، أما ماء المرأة المقابل له علمياً فهو السائل الحامل للبويضة والذي يميل إلى اللون الأصفر ويتدفق من المبيض عند انفجار حويصلة جراف أثناء عملية التبويض، ويعتبر اندماج الحيوان المنوي مع البويضة هو أول خطوة في تكوين الجنين، أما تحديد نوعه فقد أثبتت الدراسات الحديثة أنه يعتمد على الشحنات الكهربية للحيوان المنوي والبويضة أثناء عملية اندماجهما معاً (الإخصاب). يوجد نوعان من الحيوانات المنوية، الأول يحمل كروموسوم صفات الذكورة وله شحنة موجبة والثاني يحمل كروموسوم صفات الأنوثة وله شحنة سالبة، أما البويضة فهي على نوع واحد يحمل كروموسوم صفات الأنوثة، وأيضاً لها شحنة كهربائية ولكنها تتغير في دورة كهربائية (من موجبة إلى متعادلة إلى سالبة)، وعندما تكون البويضة موجبة الشحنة، فإنها تجذب إليها المنوي ذا الشحنة السالبة الحامل لصفة الأنوثة وينتج جنين أنثى، أما عندما تكون البويضة سالبة الشحنة، فإنها تجذب إليها المنوي ذا الشحنة الموجبة الحامل لصفات الذكورة، فينتج جنين ذكر، أي أن الجنين يكتسب نوع المشيج (الحيوان المنوي أو البويضة) ذو الشحنة الموجبة، ونظراً لأن الشحنة الموجبة هي الأقوى والأعلى كهربياً، يكون استخدام لفظة العلو في الحديث تعبيراً مدهشاً لأن معنى العلو في اللغة يعبر عن الغلبة والقهر وهي لا تكون إلا مع الأقوى، أي أن الرجل والمرأة يشتركان في تحديد جنس الطفل، وأن نوع الجنين يتبع نوع الوالد الذي يكون عناصر منيه أعلى، فيكون علو مني الرجل سبباً لإنجاب الذكور وعلو مني المرأة سبباً في إنجاب الإناث مصداقاً لما أخبر عنه نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم منذ مئات السنين. إن معرفة الأسباب التي ترجح نوعاً على آخر من الأجنة لا تعني القدرة على الحصول على النوع المطلوب لأن ذلك كله معلق بمشيئة الله سبحانه وتعالى وحده، الذي خلق الأسباب وقادر على الخلق بالأسباب وبدونها، قال تعالى: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) [الشورى: 49 - 50].